Categories: آراء

حراميّة القصائد وفهلوية الأفكار

مشاري الذايدي

السرقة — أي سرقة — فعلٌ وضيع، ومثير لحنق المسروق منه، حتى لو كان المسروق عود ثقاب. لا لنفاسة وقيمة المسروق، بل لسلوك الاستغفال والغدر والأخذ بلا حق.

يجود الإنسان، عن طيب خاطر، بأغلى ما لديه من المال، بل ربَّما وصل الجود إلى درجة بذل الروح:

والجود بالنفس أقصى غاية الجود… كما قال الشاعر مسلم بن الوليد.

على ذكر الشعر والقصيد، فقد كان رائعًا الإعلان الذي نشرته «الهيئة السعودية للملكية الفكرية» عبر حسابها على منصّة «إكس» أن استخدام القصائد أو نشرها دون موافقة صاحبها يُعد انتهاكًا لحقوق الملكية الفكرية، ويُعرّض المخالف لعقوبات وغرامات مالية.

الهيئة نشرت تصميمًا (إنفوغرافيك) لشرح الأمر للعموم — خاصة سُرّاق الشعر! — تضمّن التصميم قيام أحد الأفراد بأداء قصيدة شعرية ونشرها عبر قناة تابعة له على منصّة تواصل اجتماعي، واستخدامها لأغراض تجارية دون الحصول على موافقة صاحب الحق، فكانت العقوبة غرامة مالية بلغت 5 آلاف ريال، وإزالة ما وُصف بـ«الانتهاك».

وأضافت الهيئة في إخبارها للعموم أن استخدام أي مُصنّف أدبي أو فنّي، دون إذنٍ مُسبق من صاحب الحق، يُعد مخالفةً لنظام حماية حقوق المؤلف، ويُعرّض مرتكبه للإجراءات النظامية والعقوبات المقرّرة.

خبر رائع، وإن كان متأخرًا، فالناس، في كثير من المجتمعات العربية وغير العربية، اعتادت السطو على الأفكار والإغارة على مشاعر الآخرين، المسبوكة على هيئة لوحة، أو المصبوبة على صورة قصيدة، أو المسكوبة على قالب موسيقى… دون حسيب ولا رقيب.

ثقافة الملكية الفكرية ضعيفة للمنتجات الإبداعية الشعرية أو الموسيقية أو القصصية أو الدرامية، ناهيك عن فكرة منسوجة في خيوط كتاب كبير أو أسلاك مقالٍ وجيز، لا بواكي لها!

هناك منذ الأزل بحث أدبي عربي قديم حول الفرق بين السرقة والاستعارة أو «وقع الحافر على الحافر»، وأين يقع الفارق بين المشروع واللامشروع، العفوي والمقصود، بين هذه الصيغ.

يضربون مثالًا لذلك بقول الشاعر الجاهلي حول بكاء الأطلال والديار، وهو رمز الشعر الجاهلي، ذو القروح الأمير امرؤ القيس، فهو من قال في شطرٍ شهير:

نبكي الديار كما بكى ابن حزام… أو حرام!

يعني أن الشاعر الأول كان يحتذي من قبله.

وقال طرَفة:

وقوفًا بها صحبي على مطيّهم يقولون لا تهلك أسىً وتجلّدِ

وقبله قال امرؤ القيس البيت، إلا أن خاتمته: وتجمّلِ!

هذا سائغ وله شرح، لكن غير المقبول هو السرقة الكاملة لقصيدة أخرى، ثم إنشادها بوقاحة للناس على أنها للمُنشد السارق، وربما التكسّب منها.

قل الشيء نفسه عن اللحن المسروق، واللوحة المسروقة (الإعلامية المصرية مها الصغير مثالًا).

هناك من يفعل ذلك بوعي وقصد، يعرف أنه سارق ويفعل، وهناك من يفعل ذلك بجهل و«غشومية» خاصّة من المراهقين والمراهقات والعوام، الذين غصّت بهم ساحات السوشيال ميديا، ويظنّون أن هذه الإبداعات أمر عادي، مثل الماء والكلأ والنار… الناس فيه شركاء!

نقلا عن الشرق الأوسط

web master

Share
Published by
web master

Recent Posts

الكوت ديفوار على حافة الحلم… حين يغازل واتارا الهدوء وتغري المعارضة العاصفة

تعيش الكوت ديفوار على وقع سباقٍ انتخابيٍّ محمومٍ، تحيط به أجواء مشحونة بالتوتر والدعاية السياسية…

16 ساعة ago

اختراق مطارات أميركا وكندا.. رسائل تشيد بحماس وتهز واشنطن

أفادت تقارير إخبارية ومسؤولون أمنيون أن هاكرز مجهولين نفّذوا عملية اختراق غير مسبوقة استهدفت أنظمة…

16 ساعة ago

صلاح.. ضحية مجد ميسي ورونالدو

قال المهاجم الإنجليزي السابق دارين بنت إن النجم المصري محمد صلاح وقع ضحية للمعايير الخارقة…

16 ساعة ago

روسيا تتهم بريطانيا وأوكرانيا بمحاولة تخريب خط ‘السيل التركي’

اتهم مدير هيئة الأمن الفدرالية الروسية، ألكسندر بورتنيكوف، أجهزة الاستخبارات البريطانية والأوكرانية بالتحضير لعمليات تخريبية…

21 ساعة ago

هنيبال القذافي أمام صراع كفالة تاريخية في لغز موسى الصدر

قرر المحقق العدلي اللبناني في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر، القاضي زاهر حمادة، إخلاء سبيل…

22 ساعة ago

ترامب يتوقّع انضمام السعودية قريبًا إلى اتفاقيات أبراهام: حين تنضمّ.. سيلتحق الجميع

توقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توسع اتفاقيات أبراهام لتشمل دولًا عربية جديدة، معربًا عن أمله…

23 ساعة ago