thumbs_b_c_0428d150af726573b62f7c3fe20bf721

عناصر من الجيش الصومالي بمناطق "عيل طير" بإقليم غلغدود

لندن – رامي صلاح

في فجر الأول من يونيو 2025، شنت الطائرات الأمريكية غارات مكثفة على معاقل تنظيم داعش الإرهابي في الصومال، بالتنسيق مع حكومة فدرالية لا تزال تتلمس طريقها في دولة أنهكها التطرف والحرب.

الضربة، التي أعلنت عنها قيادة أفريكوم، جاءت بمثابة تذكير بأن الصومال –الذي كان يومًا يُعرف بـ”أرض الأمل”– ما زال عالقًا في قبضة الفكر المتطرف الذي مزق بنيته، وحول مستقبله إلى ظلال قاتمة.

كان يا ما كان: عندما كان للصومال وجه آخر

قبل سقوط الدولة عام 1991، كان الصومال دولة بحرية مزدهرة، تمتلك موقعًا استراتيجيًا وثقافةً غنية تمتزج فيها الأفريقية بالعروبة. لكن مع انهيار حكم سياد بري، دخلت البلاد في دوامة من الفوضى، ونشأت حركات مسلحة متناحرة أعادت البلاد إلى عصر أمراء الحرب.

في هذا الفراغ، ظهرت اتحاد المحاكم الإسلامية، ليكون رحمًا لـحركة الشباب الإرهابية، التي تحوّلت لاحقًا إلى الذراع الأخطر لتنظيم القاعدة في المنطقة.

حركة الشباب وداعش.. عدو مشترك للدولة

رغم العداء الظاهري بين حركة الشباب وتنظيم داعش، إلا أن كليهما يشتركان في هدف واحد: إجهاض أي مشروع لبناء دولة حديثة.
حركة الشباب، التي سيطرت على أجزاء واسعة من البلاد، تأسست على فكر متشدد يرفض الدولة المدنية والديمقراطية، وتورطت في تفجيرات انتحارية، اغتيالات، وتجنيد الأطفال.

وبعد انشقاقات داخل صفوفها، بدأ داعش يتوغل في الداخل الصومالي، مستفيدًا من الانقسامات والضعف الأمني، ليزيد المشهد تعقيدًا.

التطرف يغتال الدولة والمجتمع

المدن التي خضعت لسيطرة هذه الجماعات، تحولت إلى ساحات للخراب.
النظام التعليمي انهار، البنية الصحية تبخرت، والنزوح الداخلي والخارجي بلغ أرقامًا قياسية.
تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 7 ملايين صومالي بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، في ظل مجاعة تهدد أجزاء واسعة من البلاد.

الأخطر أن التطرف لا يقتل الأفراد فقط، بل يغتال الثقة بين مكونات المجتمع، ويعزز الانقسامات القبلية، ويطرد أي استثمار تنموي، ما يخلق حلقة مفرغة من الفقر والعنف واليأس.

الصومال وأفغانستان.. وجهان لمرآة واحدة

التشابه بين الصومال وأفغانستان تحت حكم طالبان مذهل.
كلاهما بلد خرج من حروب طويلة، وسقط في قبضة جماعات دينية متطرفة ترفع شعار “الحكم بالشريعة”، لكنها في الحقيقة تُضيّق على الحريات وتُفقر المجتمعات وتُغلق باب الأمل في وجه الشباب.

وما دام الجذر الاقتصادي والاجتماعي للتطرف قائمًا، فإن القضاء عليه عسكريًا سيظل حلًا جزئيًا ومؤقتًا.

هل من أمل في الأفق؟

رغم كل شيء، لا تزال هناك نوافذ أمل.
الولايات المتحدة ودول الاتحاد الإفريقي تقدم دعمًا لوجستيًا وأمنيًا للحكومة الصومالية، كما تُبذل جهود حثيثة لبناء مؤسسات الدولة، وتعزيز قدرات الجيش، وملاحقة الإرهابيين.

لكن الحل الحقيقي يتطلب نهجًا شاملًا:

  • ضغط عسكري مستمر على الجماعات المسلحة
  • خطط تنمية اقتصادية واسعة
  • برامج تعليم وتوظيف موجهة للشباب
  • تعزيز التسامح الديني ومكافحة الفكر المتطرف فكريًا
  • بناء دولة قانون ومواطنة

خاتمة: التطرف لا يبني أوطانًا

الصومال اليوم ليس مجرد حالة فشل سياسي، بل مثال حي على مدى الدمار الذي يلحقه التطرف الديني بالأوطان.
وما لم يتم التعامل مع الأسباب الجذرية لهذا التطرف، فإن “أرض الأمل” ستظل رهينة لدوائر العنف والكراهية.