
أنور قرقاش
في تحول لافت في سياسة الخليج تجاه طهران، أعلن الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، نهاية حقبة التهدئة التي سادت العلاقات بين الطرفين.
قرقاش أطلق تحذيرًا حادًا لطهران، مؤكّدًا أن استمرار التواصل مع دول الخليج مرهون الآن بالتزام أخلاقي واستراتيجي صارم. هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، إذ تفاعل معه خبراء غربيون بتحليلات تعكس أهمية هذه الخطوة وتأثيرها على المشهد الإقليمي بأكمله.
وأكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أن موقف دول الخليج من الحرب بين إسرائيل وإيران كان عقلانيًا ومبدئيًا، قائمًا على رفض التصعيد العسكري والدعوة إلى حلّ القضايا العالقة، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني، عبر المسار السياسي.
لكن في الوقت الذي ظنّت فيه العواصم الخليجية أن هذا الموقف سيكون مدخلًا لإعادة بناء الثقة مع طهران، جاء الاستهداف الإيراني لسيادة دولة قطر الشقيقة ليضرب تلك الثقة في الصميم، ويعيد العلاقات الخليجية الإيرانية إلى مربع الحذر والشك.
وقال قرقاش، في تغريدة نشرها على منصة “إكس”:
“وقفت دول الخليج ضد الحرب الإسرائيلية على إيران وقفة قوية ومؤثرة، وسعت في كافة المنابر الدولية لخفض التصعيد ودعت لحلّ القضايا العالقة، وعلى رأسها الملف النووي، عبر المسار السياسي.
ورغم ذلك، جاء الاستهداف الإيراني لسيادة دولة قطر الشقيقة، وهو استهداف يطالنا جميعًا.
واليوم، ونحن نطوي صفحة الحرب، تبقى طهران مطالبة بترميم الثقة مع محيطها الخليجي، بعدما تضررت بفعل هذا الاعتداء.”
رسالة إماراتية باسم الخليج
تعكس تصريحات قرقاش موقفًا خليجيًا موحدًا في وجه أي انتهاك للسيادة، وتلمّح إلى أن ما بعد الهدنة الإسرائيلية الإيرانية لن يكون كما قبلها.
فالرسالة واضحة: دول الخليج دعمت خفض التصعيد، لكنها لن تتسامح مع سلوك عدائي تجاه أي من أعضائها.
وتتجاوز الرسالة مجرد إدانة للاستهداف، لتتحول إلى تحذير دبلوماسي مباشر يعيد رسم قواعد العلاقة، ويُبلغ طهران أن استمرار التواصل مرهون بالتزام أخلاقي واستراتيجي واضح.
توقيت الرسالة.. ودلالاته
صدور هذه التغريدة بعد أسبوع من وقف إطلاق النار ليس مصادفة، بل يحمل إشارات دقيقة:
- أن الإمارات منحت فرصة لتهدئة الأجواء قبل توجيه رسالتها.
- أن التحرك جاء بعد تقييم متأنٍ للسلوك الإيراني.
- أن أبوظبي تسعى إلى ضبط قواعد اللعبة الإقليمية قبل أن تستقر على معادلات خاطئة.
وبالتالي، تبدو الرسالة الإماراتية موجهة إلى طهران، ولكن أيضًا إلى الداخل الخليجي والدولي:
نريد الاستقرار، لكن لن نشتريه على حساب سيادتنا.
خبير أميركي: الخليج يغيّر المعادلة
قال البروفيسور مايكل غرانت، الباحث في معهد الدراسات الأمنية في برلين، في تصريح خاص لـ”اليوم ميديا”: إن تغريدة قرقاش بمثابة إعلان سياسي مموّه بلغة دبلوماسية، ويقول:
“ما تفعله الإمارات هو إرسال رسالة استراتيجية: الخليج قدّم طوق النجاة لطهران خلال الأزمة، لكن إيران أهدرت هذه الفرصة بسلوك عدائي.
الرسالة تقول بوضوح: إما شريك يحترم قواعد الجوار، أو خصم يُعزل من المعادلة الإقليمية.”
ويضيف:
“هذا تحوّل نوعي في سياسة الخليج، إذ لم تعد الأولوية فقط لخفض التوتر، بل لضمان أن لا يتحوّل الصمت إلى تنازل دائم.”
خبير فرنسي: الخليج يريد عقدًا جديدًا
من جانبه، قال الباحث الفرنسي جون بيير دولاكروا، من مركز الدراسات الجيوسياسية في باريس، في تصريح خاص لـ”اليوم ميديا”: أن تغريدة قرقاش تعبّر عن تبدّل عميق في المزاج الخليجي تجاه إيران، ويضيف:
“خلف كلمات قرقاش تقبع قناعة تتبلور بأن التهدئة من طرف واحد لا تصنع أمنًا.
الخليج يطالب اليوم بعقد جديد يحكم العلاقة مع إيران، قائم على المحاسبة لا المجاملة، وعلى الشفافية لا الغموض.”
ويتابع:
“الإمارات لم تعد ترى فائدة في إدارة علاقة بلا ضمانات واضحة. إنها لحظة مراجعة شاملة، وقد تكون نقطة تحوّل في شكل العلاقة بين الخليج وطهران.”
من التهدئة إلى اختبار النوايا
على مدار السنوات الماضية، شهدت العلاقات الإماراتية الإيرانية محاولات لخفض التوتر، شملت زيارات دبلوماسية، لقاءات أمنية، وتبادلات اقتصادية.
لكن الاستهداف الإيراني لقطر خلال الحرب أعاد فتح ملفات الشك، خاصة أن هذا الاعتداء جاء في لحظة كانت دول الخليج تمارس فيها أقصى درجات ضبط النفس تجاه طهران.
ويرى مراقبون أن المرحلة المقبلة ستشهد تعاملًا أكثر صرامة مع إيران، وربما أكثر علنية أيضًا، إذ لم تعد دول الخليج مستعدة للعب دور “الصامت المتسامح” في وجه انتهاك السيادة أو اختبار الإرادة.
وحدة التحليلات – لندن – اليوم ميديا