
أردوغان وترامب
لطالما فضّلت النخبة السياسية في أنقرة فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، بعد سنوات من التوتر مع إدارة جو بايدن. كان أردوغان يأمل خلال فترة بايدن في تهدئة النخب الليبرالية في واشنطن وبروكسل، والحصول على صفقات مجزية في التكنولوجيا والتجارة. لكن مع فوز ترامب، تبددت تلك المخاوف، وبدأت أنقرة في اختبار قدرة فريقها على فتح قنوات حقيقية مع إدارة جمهورية بنكهة قومية.
صفقات السلاح والهيمنة الناعمة
تمكن أردوغان من الحصول على صفقة مقاتلات F-35 رغم المعارضة الإسرائيلية، ويعوّل على رئاسة ثانية لترامب لفرض سياسة إقليمية تجعل العالم أكثر “راحة” لنموذج أردوغان في الحكم: مزيج من السيادة القومية، والصعود الناعم، والتوسع العسكري والصناعي.
تملك تركيا علاقات قوية مع روسيا، وقنوات مفتوحة مع بوتين، مع احتفاظها بعضويتها في حلف الناتو، ما يمنحها دورًا فريدًا بين الشرق والغرب.
صفقة الشرق الأوسط الجديد؟
يتوقع مسؤولون في أنقرة أن تعود حقبة “الصفقات الكبرى” في عهد ترامب الثاني، حيث يُعاد رسم الخرائط خلف الأبواب المغلقة، وتُبرم اتفاقات تاريخية بين زعماء أقوياء. ويرى مراقبون أن هذا الطموح التركي يجد صدى في عقل ترامب، الذي لا يؤمن بالبناء المؤسساتي بل بالحلول الفردية والتفاهمات الاستراتيجية.
تقاطع المصالح: روسيا وسوريا والعراق
ترى أنقرة أن بإمكانها لعب دور الوسيط بين إدارة ترامب وروسيا، لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مقابل مكاسب جيوسياسية في سوريا والعراق وشرق المتوسط. كما تطمح أنقرة لانتزاع تعهد أميركي بالانسحاب من الشمال السوري، وترك حرية الحركة لتركيا على حدودها الجنوبية، وهو مطلب استراتيجي لحزب العدالة والتنمية.
إسرائيل.. شريك تكتيكي أم عقبة دائمة؟
تدرك أنقرة أن أحد أعمدة التقارب مع واشنطن يمر من خلال إسرائيل، وأن التنسيق التركي الإسرائيلي قد يتحول إلى “مرساة” للقوة الأميركية في الشرق الأوسط. إلا أن هذا التنسيق هشّ، وقد ينهار في أي لحظة بفعل الأجندات المختلفة، لا سيما في ظل التوترات المتصاعدة حول غزة والقدس.
تركيا الجديدة: الدولة السنية الصاعدة؟
السقوط المفاجئ لنظام الأسد وصعود هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، جعلا من تركيا لاعبًا محوريًا في مستقبل سوريا. يرى محللون أن أنقرة تستعد لوراثة “الهلال الشيعي” بمحور سني أكثر كثافة سكانية وشعبية، دون إعلان نوايا صريح تجاه إسرائيل، بانتظار اللحظة الحاسمة.
أميركا أولًا.. أم تركيا أولًا؟
لكن رغم الود الظاهري بين أردوغان وترامب، يرى مراقبون أن هناك تناقضًا بنيويًا خطيرًا بين عقيدة “أميركا أولًا” التي يقودها ترامب، وبين “النهضة الإسلامية القومية” التي يتبناها أردوغان. فقدرة الرجلين على احترام نجاح بعضهما لا تعني انسجامًا في العمق، بل ربما تقاطع مصالح مرحلي سرعان ما ينقلب إلى خصومة.
إدارة ترامب الثانية: بيئة سياسية جديدة
ترامب يحيط نفسه الآن بشخصيات قومية متشددة مثل تولسي غابارد وماركو روبيو، المعروفين بدعمهم لليونان وقبرص وعدائهم التقليدي لتركيا. كما أن شخصية مثل بيت هيغسيث — مرشح محتمل للبنتاغون — تمثل المزاج اليميني المسيحي المتشدد، ما يجعل أنقرة في حالة ارتياب من أجندة واشنطن الجديدة.
تركيا والناتو: توازنات على حافة الخطر
منذ انضمام تركيا واليونان للناتو عام 1952، حافظت الدبلوماسية الأميركية على توازن دقيق بين الطرفين. لكن إدارة ترامب الثانية قد لا تلتزم بهذه القاعدة. فمع نهاية ولايته الأولى، بدأ وزير الخارجية مايك بومبيو علنًا في تفضيل اليونان، وزار قواعد عسكرية أميركية في جزرها.
هل تنقلب الشراكة إلى صدام؟
في النهاية، قد تكون كاريزما أردوغان جذابة بالنسبة لترامب، لكن الحركات السياسية التي ينتمي إليها الطرفان غير متوافقة جوهريًا. فالعلاقة بين الطرفين قد تشهد تقاربًا في المدى القصير، لكن من غير المرجح أن تتمتع بالاستقرار طويل الأمد، بل قد تتجه إلى صدام حقيقي في ملفات مثل إسرائيل، شرق المتوسط، وحتى النفوذ في أفريقيا وآسيا الوسطى.
لندن – اليوم ميديا