
محمد ولد الشيخ الغزواني
محمد فال معاوية
تسييس المواطن له درجات مختلفة بحسب درجة مشاركته السياسية؛ بدءًا من قراءة الأخبار العامة والتفاعل معها بالنقاشات أو التدوينات مروراً بالمشاركة في الانتخابات العامة أو المحلية وصولا إلى عضوية الأحزاب والنقابات بل والترشح للمناصب العامة، وفي كل الأحوال فإن هذا الانتقال من المحيط الخاص للمحيط العام يحتاج إلى قدر من الوعى والقدرة على دفع بعض الأثمان.
منذ أكثر من 25 عاماً أقيم في الخارج وأتعامل مع الشأن العام كأفلام السينما، ترى أبطال السلطة والمعارضة وتتعامل معهم كنجوم، تكره البعض وتحب البعض الآخر ولكن تظل مشدوداً لتحركاتهم وتصريحاتهم. كنت أرى سطوة الحزب الحاكم على الحياة السياسية وأشعر بارتباك شديد تجاه نجومه بين الإعجاب بسلطتهم وشهرتهم وسطوتهم وبين إنكار سياساتهم وانحيازاتهم، كنت أنبهر بمقالات “اللحلاحة” و”تدويناتهم”، وأحيانا أشعر بالاشمئزاز والقشعريرة.
ولكن منذ انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية ثانية، ثم إعلانه رئيساً، وأنا أتابع نشاطاته خارجياً وداخياً وخطاباته أو مقابلاته الصحافية تبين لي أن الرجل يتميز بعقلانية لم تعرفها موريتانيا منذ أكثر من 40 عاماً.
ولد الغزواني قام بإجراء عدة مقابلات صحافية، كلها ذات مضمون، ولم ينتج عنها تكرار، أو عبارات لا معنى لها، كما كان يفعل ولد عبد العزيز، الذي كان بمقدوره التحدث لساعات بـ”لغته الخاصة” دون قول شيء.
ولد الغزواني يسير بدرب كله حقول ألغام، داخلياً وخارجياً، من الإرهاب في الساحل الأفريقي إلى مجتمع فسيفسائي التركيبة.
ورغم كل هذه المخاطر استطاع ولد الغزواني التخاطب مع مختلف الإثنيات والتعامل مع المتغير الديموغرافي واستثماره في الحياة السياسية وطيّ صفحة مظلمة من تاريخ موريتانيا الحديثة. كما حرص على فتح صفحة جديدة مع مكونات المجتمع الموريتاني.
عقلانية ولد الغزواني تجلت في التعامل، وحتى اللحظة، مع التجاذبات الداخلية واحتواء جماعة الإخوان المسلمين، والتجاوب مع انتقادات الموريتانيين حيال القضايا المختلفة.
عقلانية ولد الغزواني تجلت باختياره دول الخليج العربي كوجهة جديدة لموريتانيا، مما يعني أنه يدرك لعبة التوازنات، ويريد الحصول على أفضلها.
وما أظهره ولد الغزواني منذ إعادة انتخابه إلى الآن هو عقلانية لم يظهرها معاوية ولا عزيز، رغم أنهم ينتمون جميعاً للمؤسسة العسكرية.
الواجب اليوم دعم عقلانية ولد الغزواني واستثمارها، وحتى يثبت العكس.