
دونالد ترامب
أحمد أبو شادي
وباء ترامب ٢٠٢٥ يشبه كثيرًا وباء كوفيد ٢٠١٩، فى كثير من مظاهره وآثاره، لعل أسوأها السرعة الرهيبة لانتشار ضحاياه بما فاق التوقعات، والتفاوت الكبير فى الخسائر المترتبة عليه بين الدول، وصعوبة التنبؤ بمتى وكيف ينتهى الكابوس الكئيب، ويتخلص العالم منه.
كوفيد ١٩ مازال حاضرًا بيننا كمرض معد، وتقدرخسائره المادية حتى الآن بما يتراوح بين ٨-١٦ تريليون دولار، ٧ مليون وفاة، والمدهش أن الولايات المتحدة هى أكثر الدول تأثرًا بخسائره – متفوقة على الصين ذاتها، حيث بدأ انتشار المرض فى معمل بمدينة ووهان فى ديسمبر ٢٠١٩.
فى ذلك الوقت، ثارت شكوك جادة حول ماهية الوباء، وتساؤلات ترددت عن إحتمال حرب بيولوجية شنتها الصين ضد أمريكا والغرب.
أما اليوم فقد أعلن ترامب حربه التجارية رسميًا، وقام بالتصعيد الفورى ضد من تحداه، وما زال يتلاعب بالعالم بالتأجيلات والاستثناءات أحيانًا، وبالتفاوض والصفقات أحيانًا أخرى.
هناك دول محظوظة مثل مصر أفلتت من المرض، ولا تملك مع وباء ترامب سوى الترقب لما يجرى، وانتظار ما هو قادم، وهناك دول أخرى عديدة أقل حظًا منا، عانت من قسوة الوباء، وحاليًا تلهث بحثًا عن حلول لمواجهة الانقلاب الجمركى الأمريكى وآثاره الاقتصادية المدمرة.
حذر محافظ البنك الفيدرالى الأمريكى من مخاطر عودة التضخم مع اشتعال الحرب التجارية، وفرض رسوم باهظة على الشركاء الكبار مثل الصين ودول آسيوية عديدة، إضافة إلى الاتحاد الأوربى وكندا والمكسيك، وبقية دول العالم.
أسواق المال أول من تأثر هبوطًا وصعودًا بقرارات ترامب، فهى أكثر المؤشرات حساسية لما يحمله المستقبل، وأسرعها فى رد الفعل، ومثلها مثل أسعار البترول والغاز، وأسعار الصرف مع الدولار لم تسلم من وباء ترامب.
استعادة المصانع والوظائف لأمريكا الهدف المعلن للرئيس ترامب، بينما قراراته تؤدى حتمًا إلى زيادة البطالة، لأن رفع الجمارك ١٠٪ قد يضيف ١٠٠ ألف وظيفة، مقابل فقدان ٥٠٠ ألف، طبقًا لتقديرات المؤسسة المالية الأمريكية جولدمان ساكس، بل وتفرز الرسوم المزيد من البطالة إذا تباطأ النشاط الاقتصادى كما هو متوقع.
طبقًا لجولدمان ساكس، التقديرات الدقيقة غاية فى الصعوبة، بسبب اتساع رقعة الرسوم المفترضه وتنوعها، وتوقيت تفعيلها، ناهيك عن تعدد الاستثناءات والتأجيلات وما تسببه من فوضى عارمة.
كذلك يرى الخبراء، أن نقل المصانع من الخارج إلى الولايات المتحدة بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين، لن يؤدى إلى زيادة ملموسة فى إعداد العاملين، بسبب التحولات التقنية وما يصحبها عادة من تقليص الأيدى العاملة.
فى الماضى البعيد كانت مصانع السيارات مثلًا، تهلل ترحيبًا بالحماية الجمركية، بينما حاليًا يعتمد معظمها على مكونات عديدة مستوردة، وموديلات تصنع بالكامل فى الخارج، وبالتالى تتأثر سلبًا بالرسوم الجمركية المفروضة.
هرع ترامب ليخفف من الآثار المدمرة لقراراته فى الداخل والخارج، فأعلن أن المفاوضات جارية مع عشرات الدول، وسوف تكتمل قبل موعد قراراته الجمركية التى تأجل تنفيذها ٩٠ يومًا، كما لوح بقرب بدء محادثات مع الصين، غريمه الأقوى، رغم التحدى والمزايدات التى تصاعدت بينهما.
الصين رفضت تحذيرات ترامب ونافسته فى التصعيد، وتجاهلت تلويحه براية التفاوض، ومنعت تصدير المعادن النادرة التى تعتمد عليها صناعة الإليكترونيات الدقيقة والأسلحة الحديثة، كما أوقفت هيئة البريد فى هونج كونج التعامل مع الطرود الواردة والصادرة من والى الولايات المتحدة.
شركات أمريكية عديدة، رفعت قضايا عاجلة ضد رسوم ترامب الجمركية، ودفعت بأنها غير دستورية، وتهدد وجودها ذاته، إحداها تستورد من الصين ٨٠٪ من احتياجات السوق الأمريكية من لعب الأطفال والكبار، تتعرض لفرض ١٤٥٪ رسوم جمركية، ما يهدد الشركة بالإغلاق.
أغراض ترامب الحقيقية هى التخلص من ديون تجارية متراكمة تفوق ٣٥ تريليون دولار، إضافة للفوائد المستحقة عليها، وبدلًا من الدخول فى مفاوضات ثنائية معقدة، لجأ إلى حربه التجارية الصادمة لفرض شروطه، دونما اعتبار لزلزلة النظام الدولى المستقر، وزعزعة الثقة فى استقرار النظام المحورى الأمريكى.
ترامب يهوى الرهان والمزايدة، ويستثيره التحدى، ويتباهى ببراعته فى إبرام الصفقات، قد يتوصل لتسويات ترضيه مع بعض القوى والتكتلات الصديقة، مثل اليابان والاتحاد الأوروبى، وكندا والمكسيك، وربما الهند وكوريا الجنوبية، أما الصين فتبقى معضلته العصية، والشريك التجارى الأهم، لقياس فشل أو نجاح صفقة رهانه الكبرى.