
صورة تعبيرية عن تطور ساحة التكنولوجيا خلال عام 2025
د.فاتن بدر السادة
في عصر تتسارعُ فيه وتيرة التقدم التكنولوجي، لم تعد التكنولوجيا تقتصر على تسهيل الحياة اليومية أو تعزيز التواصل فحسب، بل أصبحت أداة قوية في حفظ التراث الثقافي والهوية الوطنية. ومع تزايد التحديات التي تواجه التراث من تآكل الزمن، والصراعات، والعولمة، جاءت التكنولوجيا لتكون وسيلة مبتكرة لحماية الموروث الثقافي، ليس فقط من خلال التوثيق، بل أيضًا بإحيائه وإيصاله إلى الأجيال القادمة بأساليب معاصرة.
يُعد التراث الثقافي -المادي منه وغير المادي- ذاكرة الشعوب، ويشمل العادات والتقاليد، واللغة، والموسيقى، والحرف اليدوية، والمعمار، والمواقع التاريخية.
إلا أنَّ هذا التراث بات مهددًا لأسباب متعددة منها: الإهمال، التوسع العمراني، الكوارث الطبيعية. وبمرور الزمن، تصبح الحاجة إلى حلول مبتكرة أكثر إلحاحًا، وهو ما أوجد مجالًا خصبًا للمشاريع الرقمية والتكنولوجية التي تتصدى لهذه التحديات.
لعبت التكنولوجيا دورًا جوهريًا في التوثيق الرقمي للتراث، فاليوم يمكن استخدام تقنيات مثل التصوير ثلاثي الأبعاد Scanning)، والواقع الافتراضي (VR)، والذكاء الاصطناعي (AI) لتسجيل تفاصيل دقيقة لمواقع أثرية أو قطع فنية مهددة بالاندثار.
كما تتيح قواعد البيانات الرقمية إمكانية جمع وتصنيف المواد التراثية (صور، مقاطع صوتية، فيديوهات، مخطوطات) في مكتبات افتراضية يسهل الوصول إليها من أي مكان في العالم، مما يعزز الوعي الثقافي ويساعد الباحثين والمهتمين على دراسة التراث بطرق أكثر مرونة.
وفي العالم العربي، ظهرت عدة مبادرات رائدة تسعى إلى تسخير التكنولوجيا في حفظ التراث الثقافي.
من أبرزها مشروع «التراث المرقمن» الذي أطلقته بعض الجامعات والمراكز البحثية، ويهدف إلى تحويل المخطوطات والكتب القديمة إلى نسخ إلكترونية قابلة للبحث والتحميل.
في مصر، يجري العمل على رقمنة الآثار الفرعونية في المتاحف والمواقع الأثرية باستخدام تقنيات تصوير دقيقة.
إن تعزيز الهوية الثقافية بين الأجيال ضروري، حيث إن التكنولوجيا لا تقتصر على الحفظ، بل تسهم في إيصال التراث إلى الجيل الجديد بطريقة تتماشى مع لغته وأسلوبه، كالألعاب الإلكترونية التعليمية والتطبيقات التفاعلية لتعليم الأطفال القيم والعادات والتقاليد بأسلوب ممتع.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم الإيجابيات تواجه هذه الجهود الرقمية تحديات، من أبرزها التمويل، ونقص الكفاءات وضعف التنسيق بين الجهات المعنية.
في نهاية المطاف، تثبت التكنولوجيا أنها ليست فقط وسيلة للحاق بركب العصر، بل أداة فعالة لصيانة الماضي. ومن خلال المشاريع الرقمية، يمكن تحويل التراث من ماضٍ محفوظ إلى حاضر تفاعلي ومستقبل حيّ، نزرعه في وجدان الأجيال. إنَّ حماية الهوية الثقافية لم تعُد مسؤولية المؤسسات بل أصبحت مُهمة جماعية تتطلب مشاركة الأفراد، والمجتمعات، والمبتكرين، لصُنع مستقبل لا يَنسى جذوره.