الثلاثاء 29 أبريل 2025
لقطة الشاشة 2025-04-25 في 9.41.08 م

أرشيفية

عبد اللطيف المناوي

رحل البابا فرنسيس، الرجل الذي حمل راية السلام والتسامح على كتفيه، والذي اقترن اسمه بأحد أهم مشاريع التقارب الإنسانى فى العقود الأخيرة: «وثيقة الأخوة الإنسانية». فقد شكّل البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ثنائيًا استثنائيًا فى مشهد دينى وسياسى مأزوم، يندر فيه أن يتفق رمزان دينيان على خطاب جامع، نقى من المصلحة، عابر للحدود والديانات. ولم يكن بقادرٍ على أن يفعل ذلك إلا شخصيات مثل الإمام الطيب والبابا فرنسيس.

وثيقة «الأخوة الإنسانية» التى وُقّعت فى أبوظبى عام ٢٠١٩، لم تكن إعلان نوايا عابرًا، بل كانت بمثابة دستور أخلاقي وإنساني يسعى إلى ترميم ما تمزّق من قيم العيش المشترك، وإعادة تعريف لدور الأديان فى بناء السلام بدلًا من أن تُختزل فى سرديات الكراهية أو تُستغل فى تأجيج الحروب. لقد أرست الوثيقة أسسًا جديدة للحوار بين الأديان والثقافات، داعيةً إلى نبذ العنف، واحترام التعدد، والإيمان بأن الإنسان أخو الإنسان، أيًّا كان لونه أو عرقه أو دينه.

منذ صدورها، أنجزت الوثيقة ما يمكن وصفه بأنه تحول فى الخطاب الدينى العالمى. تأسست «اللجنة العليا للأخوة الإنسانية»، كما أعلنت الأمم المتحدة يوم ٤ فبراير من كل عام يومًا دوليًا للأخوة الإنسانية. ولم يكن ذلك مجرد احتفاء رمزى، بل إقرار دولى بأن الوثيقة أصبحت مرجعًا أمميًا فى زمن تتفشى فيه النزاعات، من غزة إلى أوكرانيا، ومن السودان إلى اليمن. لقد كانت الوثيقة صوتًا هادئًا فى عالم يعلو فيه ضجيج البنادق.

لكن رحيل البابا فرنسيس، الذى كان من أكثر القادة الدينيين انفتاحًا وتواضعًا فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، يطرح سؤالًا ملحًّا: ما مستقبل الوثيقة من بعده؟ هل ستظل حيّة فى المؤسسات الكنسية والدولية؟ أم أن غياب أحد رعاة الوثيقة سيضعف تأثيرها؟.

الواقع أن قوة الوثيقة لا تنبع فقط من شخص الموقعين، بل من القيم التى تتضمنها، ومن المؤسسات التى تبنتها. وإذا كان البابا الراحل قد مثّل ضميرًا حيًّا لقيم العدالة والسلام، فإن على خليفته، والقيادات الدينية حول العالم، واجبًا أخلاقيًا فى الحفاظ على هذا الإرث الحىّ. كما أن الأزهر الشريف، بقيادة الإمام الطيب، سوف يكون داعمًا أساسيًا لتفعيل بنود الوثيقة، من خلال التعليم، والإعلام، والتواصل المجتمعى، وتحويل مبادئ الوثيقة إلى سياسات واقعية داخل المجتمعات.

فى زمن بات فيه خطاب الكراهية هو الأكثر انتشارًا على وسائل الإعلام، وبين الشعوب المتنازعة، فإن وثيقة الأخوة الإنسانية تمثل شريان أمل، ومشروع مقاومة روحية ضد انحدار القيم. إنها ليست وثيقة بين مؤسستين دينيتين فقط، بل عقد إنسانى جديد يُعيد تعريف جوهر الدين بأنه رسالة حب وسلام، لا وعيد ودمار.

رحل البابا فرنسيس، لكن الوثيقة باقية، لأنها تعبّر عن حاجة إنسانية ملحّة، وعن صوت الضمير الذى لا يموت.

نقلا عن المصري اليوم