الثلاثاء 29 أبريل 2025
لقطة الشاشة 2025-04-25 في 9.51.16 م

تعبيرية

رولا خرسا

التصوف ليس مقتصرًا على الإسلام فقط. فالتصوف، كمفهوم روحى، موجود فى العديد من الأديان والثقافات حول العالم، وإن كان قد تطور بشكل خاص فى الإسلام وأصبح جزءًا مهمًا من التراث الروحى. وهذا ما سوف أركز عليه فى السلسلة التى أكتبها الآن.. إلا أنه وجب التنويه إلى أن التصوف ليس مقصورا على ديانة بعينها، ويمكن العثور على ممارسات وتجارب روحية مشابهة فى ديانات أخرى. يركز التصوف الإسلامى على الزهد، التقرب إلى الله، وتطهير النفس من الشهوات. ويشمل مفاهيم مثل: الفناء، البقاء، المحبة الإلهية، والذكر. وسأتحدث فيما بعد عن كل هذه التفاصيل.

أما التصوف المسيحى، فيهتم بالاتحاد مع الله من خلال الصلاة والتأمل. ويشمل مفاهيم مثل: الصلاة القلبية، التأمل، والتجليات الروحية.

حتى فى اليهودية هناك تصوف… يُعرف باسم القبالة (الكابالا)، الذى اشتهر بعد أن اتّبعته المغنية مادونا… وهو يركز على العلوم الباطنية والتفسير الروحى للنصوص المقدسة، خاصة التوراة.. التصوف إذًا ظاهرة روحية عالمية، تختلف ممارساتها وتفاصيلها حسب الدين والثقافة، لكنها تشترك فى السعى نحو الاتحاد مع المطلق أو الإلهى، وتطهير النفس من الشهوات المادية. بعيدًا عن الأديان السماوية، نجد فى الهندوسية ما يعرف بالتصوف الهندوسى، ويهدف إلى تحقيق الاتحاد مع الإله (براهمان) أو الذات العليا. ويشمل مفاهيم مثل: التنوير (موكشا)، التأمل، والزهد. نجده أيضًا فى البوذية، ويركز على التحرر من المعاناة وتحقيق النيرفانا (التحرر الروحي). ويشمل ممارسات التأمل، الزهد، والوعى الداخلى. ومن أعلام التصوف البوذى: بوذا، الدالاى لاما، وغيرهم. التصوف فى كل الأديان ممارسة روحية تهدف إلى تحقيق القرب من الله والوصول إلى معرفته من خلال التزكية الروحية وتطهير القلب وتنمية الأخلاق الحميدة. التصوف فى الإسلام منهج روحى يركز على تزكية النفس، وتربية القلب، وتهذيبه من الرذائل، وتحليته بالفضائل، والسعى نحو الوصول إلى مرتبة الإحسان، وهى أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. الكثير من الناس لا يعرفون الكثير حول التصوف، وهناك دومًا جدل حوله.. فمؤيدوه يرون أنه جوهر الحياة الروحية، ويعتمدون على نصوص قرآنية وأحاديث نبوية فى فضائل الزهد والذكر. ومنتقدوه يخشون من بعض الممارسات التى قد تخالف العقيدة السنية، مثل الغلو فى الأولياء، أو بعض البدع فى الطقوس. ولكنها فى النهاية ممارسات أفراد ولا تمثل التصوف الحقيقى. العديد من العلماء مثل الإمام الغزالى (صاحب «إحياء علوم الدين») دافعوا عن التصوف السنى المُعتدل، بينما حذر آخرون من الانحرافات العقدية فى بعض الطرق. فالمنهج الصوفى الأصيل يلتزم بالكتاب والسنة، ويبتعد عن الشطحات والخرافات، مع التركيز على الأخلاق والعبادة الباطنة. لهذا سوف أخصص سلسلة للحديث عن التصوف، علنى أُساهم فى شرح مفاهيم خاطئة منتشرة عن التصوف… وعلنى أُساهم فى طريقة يقترب العبد فيها أكثر من ربه فى هذا الزمن الصعب الذى نعيشه.

نقلا عن المصري اليوم