
تعبيرية
محمد سليم قلالة
إذا كانت الرّقمنة هي تحويل البيانات المختلفة من الشكل التقليدي إلى الشكل الرقمي، ثم تخزينها رقميا مع كل ما ارتبط بذلك من حسن إدارة العمليات وكفاءة التسيير وربح للوقت… إلخ، فإن الذكاء الاصطناعي يقوم على الاستفادة من هذه الرقمنة لبناء أنظمة قادرة على محاكاة الذكاء البشري في التعلّم واتخاذ القرارات وأداء المهام، بكل ما ارتبط بذلك من استشراف وفهم وتحليل وحتى إبداع في بعض المجالات…
تشكّل العمليتان معا إذن، ما نسمّيه “التحوّل الرقمي”، وهما مترابطتان ببعضهما البعض، حيث لا يمكن أبدا الحديث عن ذكاء اصطناعي من دون رقمنة وقواعد بيانات ضخمة… لذلك، نحن نشهد اليوم سباقا مع الزمن في هذا المجال. ما كدنا نخطو الخطوات الأولي في مجال الرقمنة، حتى بات الذكاء الاصطناعي أداة عمل متقدمة في الدول الأكثر تطوّرا، وفي جميع المجالات والقطاعات… إننا بالفعل في معركة مع الزمن (نكرّر): إما نتمكّن من الانتصار فيها أو نتراجع إلى الخلف ونحوّل إلى الهامش… ولعل هذا هو التّحدي الأول للإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي في الجزائر 2025 – 2030وكم هي ذات أهمية هذه الإستراتيجية لو ندري! وكم نحن في حاجة إلى تجنيد كافة الإمكانات المادية والبشرية لأجل تجسيدها على أرض الواقع… ذلك أننا من خلالها إما نتمكّن من رفع التحدّي والبقاء ضمن كوكبة الأمم القادرة على الاستمرار والمنافسة في هذا العالم، أو نتدحرج إلى مراتب الشعوب التي سيحكم عليها بالبقاء على الهامش أو يتم استعبادها والتحكّم فيها من جديد باسم الاستعمار الرقمي هذه المرة!
لذلك، لا خيار لنا سوى الحسم مع الجبهتين معا، جبهة الرقمنة وجبهة الذكاء الاصطناعي! والثانية مصاعبها كثيرة ومخاطرها أكثر، إذا لم نستبقها من الآن بعمل جاد وفعّال وسريع في كافة المستويات…
لقد تبيّن لي من خلال متابعتي لبعض ما جاء في ندوة التحوّل الرقمي لقطاع التربية، بداية الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، أن المهام المطلوب إنجازها اليوم فقط على مستوى الرقمنة في هذا القطاع هي كثيرة ومتعدّدة وتحتاج إلى العمل باستمرار لإتمامها على أحسن وجه، فما بالك عندما يصبح القطاع أمام تحدّ جديد يتمثل في إدراج الذكاء الاصطناعي في التعليم، وتدريب المعلمين على التعامل معه واستخدامه في مهامهم التربوية، وإيجاد الكفاءات الوطنية القادرة على إعداد الأرضيات التعليمية الملائمة لجميع الأطوار في هذا المجال، وفق محتوى، في ذات الوقت، يكون ملمّا بالتطوّرات العصرية ومحافظا على القيم الوطنية، ناهيك عن توفير الوسائل المادية اللازمة لذلك، من حواسيب وألواح وتنفيذ مشاريع البنية التحتية ذات الجودة العالية…إلخ، وقس على ذلك باقي القطاعات، إذا ما أردناها أن تنتقل من الرقمنة وتتحوّل إلى الذكاء الاصطناعي (التعليم العالي، الصحة، الصناعة، التجارة، البريد، الثقافة… إلخ)، ألا تشكّل جميعها تحدّيات ضخمة ينبغي أن نكون في مستواها لبناء بلدنا بطريقة عصرية؟ ألا ينبغي أن يكون هذا هو محور “الفكرة المركزية” التي تتمحور حولها التنمية الوطنية والخطاب السياسي والتعبئة الكاملة للمجتمع؟
لقد سبق لي في مقالي ما قبل الأخير (التعبئة فعل استشرافي)، أن أشرت إلى هذا البعد في مفهوم التعبئة، ولعلي اليوم أؤكد أنه من دون الانطلاق من عنوان واضح للمرحلة القادمة التي ستعرفها بلادنا (مع تفادي تعدّد العناوين)، ومن دون ربح معركة الوعي أولا من خلال الإعلام والاتصال، فإن جهودنا ستتبعثر، وما نستطيع تحقيقه في سنة قد يتأخر لسنوات… لذلك، بات لزاما علينا أن نضع جهدنا الوطني والفردي في هذا المجال وفي كافة المجالات الأخرى ضمن عنوان محدّد هو: هو ربح المعركة مع الوقت أولا… إذا ربحنا هذا الرهان نكون قد انتصرنا…
نقلا عن الشروق الجزائرية