
الذكاء الاصطناعي
جرج خليل
لطالما بدت الكنيسة، كمؤسسة روحية، بعيدة عن تقنيات المستقبل. لكنها اليوم تقف على عتبة تحول غير مسبوق، حيث يفتح الذكاء الاصطناعي أبوابًا جديدة للتواصل، والتعليم، وحتى التأمل الديني. فهل تصبح الخوارزميات أدوات تبشير؟ وهل تستطيع الكنيسة أن تستثمر الذكاء الاصطناعي دون أن تفقد جوهر رسالتها الروحية؟
تسعى الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من المؤسسات الدينية حول العالم إلى الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، أبرزها: التواصل مع الشباب بلغاتهم الرقمية، عبر روبوتات محادثة (Chatbots) تشرح المفاهيم الدينية بلغة مبسطة. تحليل البيانات الضخمة لفهم اهتمامات المصلّين، وتقديم محتوى روحي مخصص. ترجمة النصوص المقدسة إلى لغات نادرة بدقة وسرعة. إنتاج محتوى مرئي وتعليمي باستخدام تقنيات الذكاء التوليدي.
رغم التحذيرات الأخيرة التي أطلقها البابا فرنسيس بشأن الذكاء الاصطناعي، وخاصة خطر تحوّله إلى “صنم عصري” يهدد القيم الإنسانية، فإن الفاتيكان لا يرفض التقنية، بل يدعو إلى تسخيرها بأخلاقيات راسخة.
في العام 2020، أطلق الفاتيكان "نداء روما لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، بمشاركة شركات تقنية عملاقة مثل مايكروسوفت وIBM، لتأكيد أهمية أن تكون الخوارزميات في خدمة الإنسان، لا العكس.
كيف توظف الكنيسة الذكاء الاصطناعي فعليًا؟
في إيطاليا، جرى تطوير تطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقديم قراءات يومية من الإنجيل مع تأملات قصيرة.
في كوريا الجنوبية، استخدمت الكنيسة روبوتًا يُلقّن الأطفال القصص الدينية بطريقة تفاعلية.
في بعض الكنائس الغربية، تُستخدم خوارزميات تنظيمية لتتبع الحضور، واقتراح مواعيد القداديس استنادًا إلى أنماط المشاركة.
من يعلّم الآلة الإيمان؟
بينما تبدو الفرص واعدة، تبرز أسئلة حرجة: هل يمكن خوارزميات بلا وعي أن توصل رسالة روحية؟ هل يصبح الكاهن الآلي بديلاً للكاهن البشري ومن يتحكم في محتوى الذكاء الاصطناعي الديني؟ الكنيسة أم شركات التكنولوجيا؟
هذه الأسئلة تؤكد أن الذكاء الاصطناعي في المجال الديني ليس مجرد أداة، بل تحدٍ وجودي وفلسفي.
لا يمكن وصف موقف الكنيسة الكاثوليكية من الذكاء الإصطناعي إنه سلبي على إطلاقه.. فثمة تعاون بين الفاتيكان ومايكروسوفت لإنشاء "توأم رقمي" لكاتدرائية القديس بطرس، يمكن عن طريقه الكشف عن أضرار هيكلية غير مرئية بالعين المجردة في جسد المبنى التاريخي؛ ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كما طورت شركات مثل Longbeard أنظمة ذكاء اصطناعي مثل "Magisterium AI" و"Ephrem"، بهدف توفير إجابات دقيقة مستمدة من الوثائق الكنسية، وتساعد في ترجمة النصوص القديمة.
لكن بطبيعة المؤسسات يكون هناك سجال مستمر بين القائمين عليها؛ فيرى ما يمكن وصفه بالفريق المحافظ إن أي تدخل تكنولوجي في الشؤون الروحية قد "يشوه الإيمان". بينما يوجد فريق أخر أكثر انفتاحا يدعو إلى تبني الذكاء الاصطناعي تحت إشراف لاهوتيين متخصصين؛ بهدف تمكين الكنيسة من امتلاك أدوات جذب للأجيال الشابة عبر أدوات مثل الألعاب التعليمية أو المنصات التفاعلية.
في أول مؤتمر صحفي له، أكد البابا الجديد أن الكنيسة ستواصل "الدفاع عن الإنسان ضد استغلال التكنولوجيا"، معتبرًا أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يخضع لما اسماه "المركزية الإنسانية"؛ بمعنى أن تكون التكنولوجيا خادمة للبشر، لا العكس. العدالة الاجتماعية: حماية العمال من فقدان الوظائف بسبب الأتمتة، كما حدث في الثورة الصناعية. وتعد هذه الكلمات هي تلخيص لموقف الفاتيكان الرسمي في هذه القضية.
هل تنتصر الكنيسة في معركة الأخلاقيات؟
بينما تتسارع وتيرة التطور التكنولوجي، تبدو الكنيسة حريصة على لعب دور "المراقب الأخلاقي"، لكنها تواجه تحديات جسيمة، أبرزها: الافتقار إلى تشريعات عالمية تلزم الشركات بالضوابط الكنسية.. تزايد التجارب الجريئة والمثيرة للجدل (مثل الوعظ الآلي) التي قد تخلط بين الروحاني والتقني.. الحاجة إلى مواكبة الشباب دون التضحية بالتعاليم التقليدية.
في النهاية، الكنيسة لا تقف ضد المستقبل، بل تحاول أن ترسم له ملامح أخلاقية وروحية. وفي عصر تتداخل فيه الأكواد مع العقائد، ربما يكون التحدي الأكبر هو:
كيف نحافظ على الإيمان حيًا في زمن الآلات؟