image

مدينة أبوظبي

محمد فال معاوية

في قلب الصحراء العربية، حيث كان النفط هو الثروة الوحيدة التي تحدد ملامح المستقبل، تشرق اليوم أبوظبي بثورة اقتصادية وصناعية غير مسبوقة. هذه الثورة ليست فقط في بناء المصانع أو إطلاق المبادرات، بل في إعادة تعريف مفهوم التنمية الاقتصادية والاعتماد على الذات.

مبادرة اصنع في الإمارات التي تتصدرها أبوظبي، تمثل تحولًا جذريًا في رؤية الدولة تجاه الاقتصاد الوطني، من اقتصاد استهلاكي إلى اقتصاد منتج يركز على الابتكار، والتقنية، والكفاءات البشرية.

أبوظبي اليوم تصنع لا فقط المنتجات، بل تصنع فرص العمل، تصنع المعرفة، تصنع المستقبل. هذه الثورة في الصحراء ليست فقط عن الصناعة، بل عن قوة الإرادة الوطنية، وعن رؤية واضحة لمستقبل مزدهر ومستقل.

لماذا أبوظبي تحديداً؟.. لأنها تملك الرؤية، والإرادة السياسية، والبنية التحتية، والأهم: فهم عميق بأن المستقبل لا يُستورد، بل يُصنع. أبوظبي تستثمر الآن في الصناعات الدوائية، والتكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والدفاع، وقطاعات أخرى تُعد محرّكات حقيقية لاقتصاد الغد. وليست الاستثمارات وحدها ما يميز هذا التوجه، بل منظومة الحوافز والتشريعات التي تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمستثمر.

التحول الصناعي الذي تقوده أبوظبي لا يسعى فقط إلى إنتاج السلع محلياً، بل إلى تحقيق الاكتفاء الاستراتيجي، وكسر الاعتماد المفرط على سلاسل الإمداد الخارجية، وخلق فرص عمل حقيقية، واستقطاب العقول، وتصدير التكنولوجيا بدلاً من استيرادها.

وهنا تكمن الجرأة: في تحدي النماذج الاقتصادية القديمة، وطرح بديل وطني عصري، ينطلق من الداخل إلى الخارج، لا العكس.

هل الطريق مفروش بالنجاح؟.. بالطبع لا. التحديات كثيرة، من منافسة الأسواق العالمية إلى الحاجة الماسّة لتأهيل الكفاءات البشرية، وتوطين التكنولوجيا، وتطوير البحث العلمي الصناعي.

لكن الفارق أن أبوظبي لا تتحرك برد فعل، بل بخطة استراتيجية معلنة، مدعومة بإرادة سياسية ومؤسسية نادراً ما تتوفر بهذا الوضوح والاتساق في المنطقة.

في النهاية، “اصنع في الإمارات” ليست فقط شعاراً، بل هي مهمة وطنية تتطلب تعاون الجميع: الحكومة، والقطاع الخاص، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني.

إذا نجح الجميع في هذا المسعى، ستتمكن الإمارات من بناء اقتصاد لا يهتز، قادر على مواجهة الأزمات والتقلبات، ومنافسة عمالقة الصناعة في العالم.