image

✍️ محمد فال معاوية

بينما ظلت لغة الضاد عاجزة عن رأب صدوع السياسة بين دول المغرب العربي، ونام مشروع الاتحاد المغاربي في أدراج التاريخ، استيقظت خريطة غير مرئية، لا تعترف بالحدود ولا الرايات، رسمتها طرق التهريب وشبكات المخدرات.

من جبال الريف إلى صحراء الجزائر، ومن موانئ تونس إلى جنوب ليبيا وحتى موريتانيا، تتقاطع خطوط “التعاون” المحظور، في شبكة واحدة لا تحتاج إلى قمم سياسية ولا بيانات ختامية… فقط شحنات مخدرات، وشباب تائه، وأجهزة أمن تتعامل مع الكارثة كلٌ في عزلته. فهل تحقّق “السموم” ما فشلت فيه السياسة؟ وهل يمكن تحويل هذا التهديد المشترك إلى فرصة نادرة لبناء تنسيق مغاربي حقيقي؟

قد يهمك أيضاً

“حبوب الخراب”.. موريتانيا تدخل نفق الهلوسة!

خريطة الوجع المشترك تتصدر دول المغرب العربي تقارير الأمم المتحدة في ما يتعلق بالاتجار والاستهلاك غير المشروع للمخدرات. المغرب، رغم جهوده الرسمية، لا يزال المنتج الأول للقنب الهندي عالميًا، وفق تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. الجزائر أصبحت ممراً أساسياً، وملاذًا لأنواع جديدة من المخدرات الاصطناعية، بينما تشهد تونس تفشيًا لافتًا لمواد مثل “الزطلة” و”الفيكودين” بين الشباب. أما ليبيا، في ظل انهيار الدولة، فأصبحت معبرًا شبه مفتوح للتهريب نحو أوروبا وإفريقيا. وموريتانيا، وإن كانت الأقل من حيث العدد، فقد تحوّلت تدريجيًا إلى نقطة عبور يسيل لها لعاب الكارتيلات.

لا سياسية أمام هذا المشهد، تبدو المعالجات محصورة في الجوانب الأمنية: ضبطيات، اعتقالات، حرق محجوزات… دون مقاربة إقليمية أو اجتماعية شاملة. لا وجود لاستراتيجية موحدة، ولا حتى تنسيق استخباراتي فعال بين البلدان المغاربية. كل بلد يتعامل مع الظاهرة على أنها مشكلته الخاصة، في وقت تُظهر فيه الخريطة أن المأزق جماعي.

السمّ يوحّد من فرّقته السياسة يرى مراقبون أن شبكات التهريب “وحدت” المجال المغاربي كما لم تفعل أي مؤسسة رسمية منذ عقود. فكما تتحرك المخدرات بسهولة بين الحدود، تتحرك معها الأخطار: تدهور الصحة العقلية، تفكك الأسر، ارتفاع معدلات الجريمة، وتجذر الاقتصاد الموازي.

في قلب هذا التهديد، تبرز فرصة: لماذا لا يتحول خطر المخدرات إلى منصة تعاون مغاربي جاد؟ لمَ لا يُبنى تنسيق أمني، وقائي، وتربوي مشترك؟ لا فقط للردع، بل للعلاج والوقاية، للتوعية لا فقط للعقاب؟

خاتمة: آخر فرصة قبل الانهيار التربوي قد لا توحّدنا السياسة، ولا القمم، ولا البيانات المشتركة، لكننا اليوم أمام تحدٍ واحد اسمه: المخدرات. وإذا لم تبادر دول المغرب العربي إلى وضع خطة إقليمية متكاملة، فإن جيلاً كاملاً سيسقط في شرك السموم، وربما تنهار المنظومة الاجتماعية برمتها. السؤال الآن: هل نتحرك قبل فوات الأوان؟.