
✍️ محمد فال معاية
في خضم الصراع المستعر بالسودان، وبين ضجيج البنادق وصمت الدبلوماسية، ظهر اتهام خطير يهدد بتغيير قواعد اللعبة: مزاعم استخدام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، أسلحة كيماوية ضد قوات الدعم السريع. هذا الاتهام، الذي أطلقته قيادات من الدعم السريع وناشطون عبر تقارير إعلامية ومقاطع مصورة من ميادين القتال، فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات ملحة حول مستقبل النزاع، وشرعية الأطراف، وموقف المجتمع الدولي.
حتى الآن، لم تُقدَّم أدلة مادية قاطعة تثبت استخدام السلاح الكيماوي، كما لم يصدر تحقيق دولي محايد يؤكد أو ينفي هذه المزاعم. إلا أن فظاعة التهمة في حد ذاتها تجعل منها حدثًا مفصليًا، سواء كانت صحيحة أو وسيلة ضغط سياسي.
في المقابل، نفى الجيش السوداني بشكل قاطع تلك الاتهامات، معتبرًا أنها محاولة لتشويه صورته أمام العالم وابتزاز الموقف الدولي، في وقت يخوض فيه حربًا “لإنقاذ الدولة من التمرد”، بحسب وصفه.
المفارقة أن رد فعل المجتمع الدولي بدا باهتًا وصامتًا إلى حد مريب. لا تصريحات قوية من الأمم المتحدة، ولا إدانات واضحة من القوى الغربية أو الإقليمية. حتى منظمات حقوق الإنسان لم تصدر حتى الآن تقارير تفصيلية أو تبدي تحركًا عاجلًا كما فعلت في حالات مشابهة في سوريا أو ليبيا.
هل هو تعب دولي من الصراعات المتكررة في السودان؟ أم أن أطرافًا دولية ترى في البرهان “شريك ضرورة” لمعادلة توازن معقدة في المنطقة، من البحر الأحمر إلى القرن الإفريقي؟
إذا ثبت استخدام السلاح الكيماوي، فإن العواقب ستكون كارثية على صورة الجيش السوداني، وقد تفتح الباب أمام تدخل دولي أقوى، ومحاكمات جنائية محتملة في المستقبل. أما إذا ثبت كذب الادعاءات، فسيكون ذلك رصيدًا سياسيًا كبيرًا للبرهان، وربما ورقة للضغط على الدعم السريع.
في الحالتين، الخاسر الأكبر هو الشعب السوداني، الذي يدفع منذ أكثر من عام فاتورة حرب لا تُبقي ولا تذر، وسط أزمة إنسانية متفاقمة، وتشريد الملايين، وانهيار مؤسسات الدولة.
وختماماً: سواء كانت الاتهامات حقيقة دامغة أو مجرد ادعاءات في لعبة كسر العظام بين الجنرالات، فإن الأمر يستدعي تحقيقًا دوليًا عاجلًا ومستقلًا. فمثل هذه الجرائم، إن وُجدت، لا يجب أن تمر بلا محاسبة. والسودان، هذا البلد الذي أنهكته الانقلابات والحروب، لا يحتمل مزيدًا من الكوارث ولا مزيدًا من الصمت.