image

تعبيرية

✍️ خالد عمر بن ققه

في تدافع البشر نحو تحقيق أهداف تُشكِّل بالنسبة لهم ـ على ما يعتقدون ـ المصير، يبدو التعارف متحقَّقاً من حيث هو فعل ورد فعل، لكن” الخِيّرة” من حيث التقوى؛ وليست الأفضلية، والسعي الجاد نحو العمل الصالح، لا يشكلان اجماعاً حتى لدى الذي ينتمون ـ ظاهراً أو باطناً ـ إلى فضاء واحد سواء أكانوا يعيشون فيه خلال حياتهم الدنيا أو سينتهون إليه في الغد القريب أو البعيد ـ بمقاييس البشر ـ ويصيرون ماكثين فيه أبدا.

في البعد النّظري لهذه المسألة؛ الخاصَّة بالتدافع في مجالات الحياة المختلفة، يتم الترويج لرؤى واهية ذات طابع تبريري، تظهر عجزنا في التصدي للمواقف التي تحول دون المحافظة على ما تبقّى من إنسانيتنا بما تحمله من فضائل، فندخل على خلفية قبولها والتسليم بها في حالة من الاغتراب الحقيقي، وفي المجال الإعلامي تظهر هذه الحالة بشكل واضح، دون طرح السؤال الآتي على أنفسنا: هل إلى خروج من سبيل؟

الوقائع والشواهد، وحتى الحقائق بنسبة معينة، تشِي جميعها بما يناقض القول السّابق، من منطلق أن المنصَّات المُتاحة للتعبير تخطَّت ظاهريّاً سلطة الزمان والمكان، والأنظمة، وأجهزة الرقابة، لدرجة أن كل فرد في أيِّ مجتمع يمكنه اليوم التعبير، أو بالأحرى الحديث اللغو، إذا توفرت لديه وسائل الاتصال، غير أن هذه الحياة المشاعة والمفتوحة في عالم التواصل، والتي هي نتاج” التخمة الإعلامية” ليست إلا ضربا من الوهم، لأن معظم الأخبار المنشورة ـ على سبيل المثال ـ لم تحظ بشرعية الاعتراف بها، لأنها تأتينا محمَّلة بالبعد الشخصي حتى لو كان صادقاً.

الحال تلك تعْني ـ من بين ما تعنيه ـ أن أحاديث الناس، سواء ما جرحوا بها في النهار أو أخفوها في الليل، قد تنتهي بنا إلى تبعية لذلك الفعل المشترك بين شياطين الجن والأنس حين يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا، وهذا التصور مرفوضا لدى معظم الناس في عالم اليوم، حيث الإصرار على أن يكون جميعهم إعلاميين، حتى إذا ما أدركتهم نار الإعلام، ولوا أدبارهم وتخلوا عنه في تمييز واضح بينهم وبين أهل المهنة الحقيقيين.

وإذا كان يتعذر علينا اليوم تجنّب أو ابعاد الغرباء في جميع المجالات، وقد زادوا أنفسهم وغيرهم رهقاً، وهم في مجال الإعلام أكثر حضوراً، فإن صناعة الحياة قولاً وفعلا، تتطلب خروجاً تدريجيّا من هذه الحالة التي تؤسس لفوضى عارمة، ستجعلنا جميعا أسرى خطابنا الاستهلاكي اليومي، مُتَّخذين منه طرقا للتعبير، وصيغا للحرية، ووعودا مزيفة بالتغير نحو الأحسن.

من ناحية أخرى، ليس تهويلاً ولا تخويفا إقرار حال الصّخب الإعلامي من حيث الانتشار، فتلك أصبحت ظاهرة، إنما هو توصيف لحالة عامَّة للمجتمعات البشرية في وقتها الّراهن، حيث الاعتراف بالقيم المشتركة، وإن كانت الكفَّة فيها تميل لصالح السلبيَّات والمساوئ، لذلك صار لزاما علينا البحث عن سبل للخروج منها، والتمييز بين ما هو اخبار متداولة عن حياة الناس بينهم، وبين اخبار وقراءة وتحليل الأهم منها في رحلة الحياة المشتركة بين البشر جميعهم، خاصة بعد أن غدت كل مظاهر حياتنا مكشوفة بالصوت والصورة لنا جميعا، لدرجة لم نعد قادرين على التحكم فيما بقي ممّا هو مستور من أهوائنا.