الأربعاء 30 أبريل 2025
لقطة الشاشة 2025-04-03 في 7.24.48 ص

دونالد ترامب

د. سعاد كريم

في خلال أسبوع، حدث صادم ومفاجئ حطّ كالزلازل أذهل العالم، وأربك الأسواق العالمية، فحبست الدول أنفاسها وباتت في حالة ترقُّب، والمترقّب الأكبر هو الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أخذ يراقب بهدوء ما يجري، وما سيجري، من تغيّرات في العالم أجمع.

ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن الرئيس ترمب أعلن في الثاني من أبريل (نيسان) الحالي، عن مجموعة من التعريفات الجمركية تحت اسم «يوم التحرير»، ما سبّب تراجعاً للعقود الآجلة للأسهم، وتذبذباً للدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسية، وخسائر للاقتصاد العالمي تزداد في كل لحظة. لكن الصين ردّت بقوة وبسرعة على رسوم ترمب الجمركية، بنسبة مماثلة.

وعادةً ما يؤدي ارتفاع التعريفات الجمركية إلى ارتفاع الدولار، نظراً للتوقعات بأن تقليص استيراد السلع الأجنبية يقلّل من الطلب على العملات الأجنبية، ويسهم في تقليص العجز التجاري، وهنا تكمن مشكلة ترمب الذي يهدف إلى تقليص ميزان العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً بسبب كثرة الاستيراد.

في هذا السياق، تعددت الأسباب وكثرت الآراء ووجهات النظر، وتوقع كثيرون أن يتفوّق النمو الاقتصادي الأميركي على الصين في منطقة اليورو، ما يجعل الأمر إيجابياً بالنسبة للدولار، لكن هذا لم يحدث، وخسر مؤشر الدولار الأميركي، الذي يعتمد على سلة من العملات، نسبة مئوية كبيرة هذا العام، كما أظهرت بيانات تداول السلع الآجلة تحوّلاً في رهانات المضاربين ضد الدولار الأميركي، فانخفض الدولار الأميركي مقابل اليورو بدلاً من الارتفاع، وهو أمر نادراً ما يحدث، وأيضاً، تفوّق الاقتصاد الأميركي على اقتصاد منطقة اليورو، بسبب انخفاض تكاليف السلع المصدّرة، تبعه انخفاض في استيراد السلع من الخارج، لكن ولسوء الحظ، فإن خفض التكاليف ألحق ضرراً بالعمال، وجعل الشركات تقلل من ابتكارها، إلى غيرها من الناتج السلبية.

وهكذا كان الدولار قوياً في كل الظروف، حتى خلال فترات الركود والازدهار على حدّ سواء، حيث لجأ إليه المستثمرون بوصفه ملاذاً آمناً، وبقيت احتياطات الدولار العالمية ثابتة منذ عام 2018، بينما ارتفع الدولار بنسبة ستة عشر في المائة، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي. أضف إلى ذلك، أن جزءاً كبيراً من قدرة الدولار يعود إلى الاستثمارات والأرباح الضخمة التي تحققها شركات «وادي السيليكون»، ما يجعل من الولايات المتحدة مصدّراً ضخماً للسلع التكنولوجية، وبخاصة الخدمات.

بالتأكيد ستضر الرسوم الجمركية للرئيس ترمب بالاقتصاد الأميركي، ومن شبه المؤكد أنها ستضرّ بالاقتصادات الأخرى بشكل أكبر. فترمب يشعل الحرب التجارية، والدولار يتراجع أمام العملات الرئيسية، حيث إنه في أقل من ثلاثة أشهر، تراجع إلى أكثر من ستة في المائة مقابل اليورو، ونحو أربعة ونصف في المائة مقابل الجنيه الإسترليني، ونحو سبعة في المائة أمام الين الياباني، وتراجع بأكثر من ستة في المائة أمام الفرنك السويسري. إن ما يحدث في الولايات المتحدة يثير التساؤل: هل هذا صدفة؟ أم أن هناك حرباً تجارية انتقامية؟!

شيء آخر يتحدث عنه الإعلام الأميركي وبعض الصحف الأميركية، مفاده أن ترمب يسعى إلى فرض اتفاقية «مارالاغو أكورد» – لخفض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية (مارالاغو هو المنتجع الشهير للرئيس ترمب الذي يُجري فيه أهم لقاءاته السرية)، على غرار اتفاقية بلازا عام 1985 في عهد الرئيس رونالد ريغان، التي فرضتها الولايات المتحدة بقوة نفوذها على القوى الاقتصادية الخمس الكبرى (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا الغربية، والولايات المتحدة، واليابان) منذ أربعين عاماً تقريباً، وكان الهدف منها إعادة تشكيل نظام التجارة العالمي، وإعادة التوازن، ومعالجة مشكلة العجز التجاري الأميركي، الذي سبّب تضخماً تجاوز مستويات قياسية، والهدف الآخر كان التركيز على خفض الدولار الأميركي، مقابل الين الياباني تحديداً، والمارك الألماني. فكانت النتيجة إيجابية بانخفاض الدولار إلى خمسين في المائة، والمارك الألماني إلى خمسة وأربعين في المائة، بعد سنتين.

وقعت الدول الخمس الكبرى على اتفاقية بلازا في فندق بلازا بنيويورك، بعد الضغط الكبير الذي فُرض عليها، ومن ضمنها اليابان، القوة الآسيوية الصناعية الصاعدة آنذاك، التي تتدفق بضائعها وصناعاتها إلى الولايات المتحدة، وتكتسح سياراتها الأسواق الأميركية، فكانت سلعها تنافسية في السوق الأميركية، وبالتالي كان المطلوب خفض الدولار، لتصبح السلع اليابانية أغلى ثمناً في وقت كانت فيه اليابان تمثل ما يشبه الصين اليوم. فكانت نتيجة تلك الاتفاقية إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة وسلبية بالنسبة لليابان. فهل ما يسعى إليه ترمب هو تكرار لاتفاقية بلازا في اتفاقية مشابهة لِـ«مارالاغو أكورد»!!

لكن التساؤل الذي لا مفرّ منه: هل بدأ التحوّل عن الدولار الأميركي مع زيادة نشاط دول «البريكس» والتعامل بالعملة المحلية فيما بينها؟! وهل ما زال الدولار ملاذاً آمناً؟ أم أنه بدأ يفقد بريقه، ليبقى الذهب الأصفر الملاذ الآمن الدائم؟! وهل سيبقى وضع الدولار بوصفه «احتياطياً عالمياً»؟!

نقلا عن الشرق الأوسط