الأربعاء 30 أبريل 2025
لقطة الشاشة 2025-04-13 في 12.34.53 م

تمثال تخيلي لفاطمة الفهرية بمتحف الأردن

قبل أكثر من ألف عام، في بلاد كانت تسمى قديماً “إفريقيّة”، ولدت فاطمة الفهرية، سليلة إحدى العائلات القرشية العربية العريقة، وفي تلك البلاد بنى جدها مدينة “القيروان” التي ظلت عاصمة المسلمين في بلدان المغرب لأكثر من أربعة قرون.

وتروي كتب التاريخ أن حفيدته نجحت في وضع اللبنة الأولى لإحدى أعرق جامعات العالم، التي بزغت شمسها من المشرق العربي، قبل أن يعرف الغرب مفهوم الجامعات بنحو قرنين، “فكأنما نبّهت بذلك عزائم الملوك من بعدها”، كما قال عنها المؤرخ العربي ابن خلدون.

ما قصة فاطمة الفهرية؟

جاء أول خبر عن فاطمة الفهرية في كتاب لابن أبي زرع الفاسي، المؤرخ في عهد الدولة المرينية، الذي توفي عام 1326م، وذلك في كتابه “الأنيس المطرب بروض القرطاس، في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس”، كما ذُكرت في تاريخ ابن خلدون.

وترجّح كتب التاريخ أن فاطمة الفهرية ولدت بين عامي 183-184هجرياً (أي في نحو عام 800 ميلادياً)، ولها شقيقة واحدة تدعى مريم، وأبوهما هو الفقيّه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفهري القيروانيّ، الذي يعود نسبه إلى عقبة بن نافع الفهري القرشي، فاتح المغرب الأقَصى، بحسب بي بي سي.

ويعتقد الدكتور لطفي عيسى، المؤرخ التونسي، أن الأدارسة قد رحبوا بمجيء محمد بن عبد الله الفهري لأسباب سياسية وجيهة “تتصل بتشكيل هوية مدينة فاس الإثنية”.

وقد تأسس هذا الجامع في حي كان يُطلق عليه “عدوة القرويين”، والعدوة هي المكان المرتفع أو شاطئ الوادي، بحسب معاجم اللغة العربية.

ويقول المؤرخ التونسي إن عدوة القرويين كانت تسمى “العلية” أو “العالية” التي تعني المكان المرتفع ولكنها قد تشير أيضاً، بحسبه، إلى اسم الإمام “علي بن أبي طالب” ابن عم النبي محمد وزوج ابنته، الذي انحدرت منه سلالة “آل البيت” النبوي، والذي ينحدر من نسل ابنه الإمام الحسن ملوكُ الأدارسة الذين أسسوا مدينة فاس.

أما عن فاطمة الفهرية، فلم تكشف لنا المراجع التاريخية الكثير عن حياتها، وقد ذُكرت سيرتها في سياق الحديث عن تأسيس جامع القرويين في مدينة فاس، بدولة المغرب حالياً.

ويقول عيسى لبي بي سي، إنه لا يعتقد أن هناك “معطيات دقيقة” تتعلق بالفترة التي قضتها فاطمة الفهرية في “إفريقيّة” التي يُطلق عليها اليوم “تونس”، مرجحاً أن يعود ذلك إلى “حرمة المرأة وتوخي عدم ذكر أي شيء يتعلق بها”.

في حين يرى الدكتور مُنيف رافع الزعبي، المدير العام لأكاديمية العالم الإسلامي للعلوم، أن هذا “يبدو تقصيراً في توثيق سير النساء البارزات في الحضارة العربية الإسلامية أمثال الفهريّة، نساء ربّما لا تزال سِيَرهن وتراجمهنّ تقبع مخطوطة غير محققة في أقَبية المجامع والمكتبات”.

أم البنين

ذكر ابن أبي الزرع في كتابه أن وفداً من القيروان قدم إلى المغرب الأقصى في عهد الأدارسة، “وكانت فيهم امرأة مباركة صالحة اسمها فاطمة، وتُكنى أم البنين بنت محمد الفهري القيرواني، أتت من إفريقية مع أختها وزوجها”.

ورغم أنها لقبت بـ”أم البنين”، فإن المصادر التاريخية لم تذكر شيئاً عن أبنائها أو سبب إطلاق هذا اللقب عليها، وهو لقب أطلق على بعض أبرز النساء عبر التاريخ الإسلامي.

وفسر البعض إطلاق هذا اللقب على فاطمة الفهرية بأنه يرجع إلى أنها عُرفت بعطائها وإنفاقها على المساكين وطلبة العلم من مالها الذي ورثته.

ووردت في كتاب ابن أبي زرع روايتان؛ إحداهما تقول إن فاطمة ورثت “مالاً جسيماً” بعد وفاة أختها وزوجها، والأخرى تقول إنها هي وأختها مريم ورثتا المال عن أبيهما وأختيهما، فبنت فاطمة جامع القرويين، وبنت أختها جامع الأندلس، وهو ما يبدو الأرجح بحسب الشواهد التاريخية.

جدير بالذكر أن فاس انقسمت في عهد إدريس الثاني إلى مدينتين؛ حسبما أوضح السياسي والكاتب المغربي الراحل عبد الهادي التازي في دراسة له؛ فهناك مدينة الأندلس التي سكنها آلاف اللاجئين الذين وردوا إليها في عهد الحَكَم بن هشام، ثالث أمراء الدولة الأموية في الأندلس، وهناك “المدينة العُظمى التي يسكنها القيروانيون”، نسبة إلى القيروان في تونس، الذين أطلق عليهم “القرويين” تخفيفاً للنطق.

المصدر –  اليوم ميديا