الأربعاء 30 أبريل 2025
026322

صورة لروبوت

خاص – الخبير الاستراتيجي إلياس قابيل

في إحدى الحوادث الأخيرة التي أثارت جدلاً واسعًا، هاجم روبوت صناعي مجموعة من العاملين في منشأة إنتاج، مما أدى إلى إصابات خطيرة. وبعد أيام، سُجِّلت حادثة أخرى في مصنع آخر، حيث “ألقى” روبوت بنفسه من ارتفاع عالٍ وتحطم كليًا، مما دفع البعض للقول: “الروبوت انتحر”.

المثير للدهشة أن السلطات تعاملت مع الحادثين كما لو أنهما جريمتان غامضتان، حيث أرسلت فرق تحقيق متخصصة في مسرح الجريمة، بما في ذلك خبراء طب شرعي وتقنيين، لاستكشاف ما إذا كان “الدافع” وراء الهجوم أو “الانتحار” مرتبطًا بخطأ في البرمجة أو مؤامرة إلكترونية. صرفت الدولة أموالًا ضخمة، وساعات عمل طويلة من خبراء بشريين، وكل ذلك للإجابة على سؤال واحد: “لماذا فعل الروبوت ذلك؟”

لكن لحظة… هل نحن نسأل السؤال الصحيح أصلًا؟

خلط غير مبرر بين الإنسان والآلة

عندما تتعطل فرامل سيارة وتتسبب في حادث مميت، تُصنّف المسألة مباشرة على أنها خلل ميكانيكي. لا أحد يقول إن “السيارة انتحرت” أو “قررت القتل”. فهي مجرد أداة.

لكن في حالة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، يبدو أننا ننسب إليها مشاعر ونيات: “الروبوت هاجم”، “الروبوت انتحر”، “الآلة تمردت”… وكأننا أمام كائن حي واعٍ، وليس برنامجًا إلكترونيًا داخل هيكل معدني.

وهم النية… من جديد

من المهم التذكير: الروبوتات لا تفكر، لا تشعر، لا تقرر مثل الإنسان. عندما يهاجم روبوت إنسانًا، فغالبًا ما يكون السبب هو خلل برمجي، خطأ في الاستشعار، أو غياب آلية إيقاف طارئ. وعندما “ينتحر” روبوت، فذلك ليس تعبيرًا عن الألم النفسي، بل نتيجة لفشل في التوازن أو النظام.

ما حدث في الحوادث الأخيرة ليس جريمة نابعة من نية، بل سلسلة أعطال تقنية. ولكن لأننا نعيش عصرًا تغزو فيه الخيال العلمي شاشاتنا، أصبحنا نميل إلى إضفاء الطابع البشري على كل ما يبدو ذكيًا.

الخطر في اللغة

قولنا إن “الروبوت قتل نفسه” لا يخلق فقط حالة من الغموض المصطنع، بل يفتح الباب أمام تبعات خطيرة: كضياع الوقت في تحقيقات لا داعي لها، أو تضليل الناس حول طبيعة التكنولوجيا، أو حتى إعفاء المصنعين والمبرمجين من مسؤولياتهم تحت غطاء “الروبوت قرر”.

والأخطر من ذلك، أن تشبيه ما حدث بالانتحار البشري فيه إهانة لكرامة الإنسان. الانتحار فعل إنساني مؤلم، ناتج عن صراعات داخلية ومآسي عاطفية. لا يصح مساواته بتلف قطعة إلكترونية.

موقفنا الأخلاقي

مع تطور الذكاء الاصطناعي، يزداد خطر الخلط بين ما هو ذكي وما هو واعي. علينا أن نتمسك بالحقيقة:

الروبوتات لا تملك إرادة.

الذكاء الاصطناعي لا يشعر بالحزن أو الخوف.

الآلات لا تنتحر.

الخطأ في الأنظمة الذكية لا يعني وجود نية، بل يشير إلى مسؤولية بشرية في التصميم أو الإشراف أو المعايير.

الختام

عالمنا اليوم يحتاج إلى توازن بين الإعجاب بالتكنولوجيا والوعي بحدودها. قد تبدو الروبوتات مبهرة، لكنها تبقى آلات – أدوات من صنع الإنسان. وإذا ما أخطأت، يجب أن نبحث عن الخلل في البرمجة أو الهندسة، لا في “نفسية الآلة”.

الإنسان هو الوحيد الذي يشعر، يتألم، ويقرر. وإذا فقدنا هذا الفارق، فإننا لا نرفع من شأن الآلة، بل نقلل من قيمة إنسانيتنا.