الأربعاء 30 أبريل 2025
لقطة الشاشة 2024-12-19 في 8.14.19 م

من قطاع غزة - وكالات

حسان يوسف ياسين

لقد كتبنا من قبل عن العالم الفوضوي والمضطرب الذي يبدو أنَّنا نعيش فيه اليوم، وأعتقد أنَّه يعكس كُلاً من حقيقة الأحداث التي تحدث حولَ العالم، والواقع الذي يُعرض علينا عبر وسائل الإعلام، التي تسعى باستمرار إلى توسيع جمهورها من خلال الصدمة، والفضيحة، والغضب. لقد أصبحنا غير مُبالين بالمشاعر العادية نتيجة التكرار، والتلاعب، والمبالغات التي تستخدمها وسائل الإعلام، سواء الليبرالية أم المحافِظة، لجذب جمهورها. ونتيجة لذلك، يصبح تصورنا عن العالم ليس مشوهاً فحسب، بل نبدأ تجاهل ما هو مهم بالفعل.

في الشرق الأوسط، حاولت المملكة العربية السعودية النأي بنفسها عن كل هذا، وحماية شعبها والمنطقة الأوسع من هذه الدراما والتلاعب. وفي خضم هذا الاضطراب، تُعد السعودية مكاناً نادراً للاتزان، حيث دفعت نحو الاعتدال حتى نتمكن من التركيز بجدية على القضايا التي تهمُّ فعلاً، مثل البيئة، والفقر، وجودة الحياة التي تُقاس بفرص النمو. إنَّ القضايا والأشخاص هم الذين يتم تجاهلهم بسهولة من خلال فظائع وسائل الإعلام، هم من يحتاجون إلى اهتمامنا أكثر من غيرهم. وعندما نتعرض باستمرار للعبث الذي تبثه وسائل الإعلام، نصبح متعبين ومنفصلين لدرجة أنَّنا نفقد القدرة على التركيز على ما هو مهم، وعلى مدى أهمية مشاركتنا، وعلى مدى ضرورة القيادة المسؤولة.

أَفضلُ وصف لهذا الشعور الذي أراه في العالم هو كصاروخ يدور حول الكوكب بسرعة هائلة، لدرجة أنَّنا لا نشعر فحسب بالدوار، بل من نوافذنا تمر الغابات والبحار بسرعة جنونية، فلا نملك الوقت لنراها أو لندرك حقاً أين نحن بحاجة لأن نُقدم يد العون. أفكر في شعب غزة، الذي يعاني؛ ليس فحسب خلال العامين الماضيين، من الحرب، بل منذ عقود طويلة. إنَّ حجم الموت والدمار الذي لحق بمليوني غزاوي، الذين يعيشون مكتظين في سجن مفتوح بمساحة 365 كيلومتراً مربعاً، لا يُمكن تخيله. أطفال غزة لم يعد لديهم دموع ليبكوا، وأمهات غزة لم يعد لديهن حليب لإرضاعهم، ومع ذلك، فقد أدارت لهم الدنيا ظهرها.

كان الإعلام في السابق يسعى لإبلاغنا وتنبيهنا إلى أوضاع طارئة يمكننا بالفعل أن نفعل شيئاً حيالها. أما اليوم، فيحدث العكس تماماً، إذ إن معظمنا لا يسمع عن هذه الأوضاع، وإذا سمع، فبهدوءٍ عابر لا يخرق وجبة الصدمة والغضب التي تُقدَّم لنا باستمرار. بطانية من الصمت تُفرض علينا، وقد بدأت بالفعل الهيمنة.

في عالمٍ بهذا القدر من التكنولوجيا والإنجازات، من المُقلق جداً أن نرى كم هو سهل أن يُعزل الناس عما يهم حقاً لمستقبلهم ولمستقبل مَن هم أقل حظاً منهم. إنَّه لا يقل عن كونه تراجعاً للإنسانية، لقلوبٍ لم تعد تُحب، وعقولٍ لم تعد تُبالي. عالم استولت عليه كائنات تشبه الزومبي، تمشي بلا هدف أو ضمير، قد أُزيل منها قدرتها على إصدار الأحكام بفعل الصدمة، والغضب، والألم.

الأمل الوحيد الذي يمكنني أن أضيئه في هذا الظلام، هو ما قاله علي بن أبي طالب: «لا تدع الصعابَ تقلقك؛ فإنَّما تسطع النجومُ في أحلك الليالي».

نقلا عن الشرق الأوسط