لقطة الشاشة 1446-03-26 في 7.12.48 م

(اليوم ميديا) – رامي صلاح

شهد شهر مايو الجاري انتشار خبر يحمل عنوان “السودان يعلن قطع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة“، تلا ذلك سيل من التدوينات تهاجم الإمارات عبر حسابات وصفحات منسوبة لشخصيات سودانية.

وانجرت عديد من المنصات الإعلامية لتناول ذاك الخبر بالنقاش والتحليل ورصد “التريند” المترتب عليه وتحليل أبرز التدوينات وأكثر الوسوم المتعلقة به انتشارًا بين رواد “السوشيال ميديا”.

صياغة تعوزها الدقة

حدث بالفعل في يوم الثلاثاء، الموافق 6 مايو 2025، أصدرت "كيزان بورتسودان" متمثلة في الفريق عبدالفتاح البرهان ومن فروا معه من العاصمة السودانية "الخرطوم" بياناً تعلن فيه: قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات.

فهل يصح عنونة الفقرة السابقة بالعنوان الوارد في المقدمة؟ هل البرهان وزمرته يمثلون بالفعل السودان شعبًا ودولة؟ أم كل ما هنالك أن هذه الزمرة تكره الإمارات وسياستها الإقليمية المُعلنة والمتمثلة في رفض الجماعات الدينية المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين؟

مواقف إماراتية وادعاءات برهانية

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بين المؤسسة العسكرية السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، اتخذت الإمارات موقفًا معلنًا بالحياد، ودعمها لحل سياسي يجنب البلد الشقيق وشعبه ويلات الحروب؛ ذلك عبر بيان للخارجية الإماراتية جاء في مستهله: "تدعو دولة الإمارات كافة أطراف النزاع في السودان إلى التهدئة وضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء هذه الأزمة بالحوار".

موقف لم يتغير

موقف لم يتغير.. بل تعالت نبرته مع استمرار الحرب؛ إذ دعت أميرة الحفيتي، نائبة المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، في أغسطس 2023، إلى ضرورة النظر بعين الاعتبار أوضاع المدنيين في السودان، فجاء في البيان الذي ألقته أمام مجلس الأمن الدولي: «نرى في هذا السياق، ضرورة تأمين الإمدادات الغذائية والمياه والخدمات الطبية، حيث يعاني ما يقارب نصف الشعب من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، ولا بد كذلك من إيلاء الاهتمام لاحتياجات النازحين واللاجئين في ظل ارتفاع معدلاتهم بشكلٍ حاد، في الوقت الذي تواجه فيه بعض دول الجوار تحدياتٍ داخلية».

دعم إماراتي ثابت للسودان

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تأتي جهود دولة الإمارات بالتعاون مع المجتمع الدولي، لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني الشقيق، والتزامها بتوفير حياة كريمة للمدنيين، حيث أعلنت الدولة أنها لن تكل من المطالبة بضرورة وصول المساعدات بطريقة آمنة، ووقف عرقلة الإمدادات لإنقاذ شعب يعاني من ويلات وتداعيات الحرب.

أكثر من 600 مليون دولار

ومنذ اندلاع الصراع الراهن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، سارعت الإمارات لاحتواء الوضع في السودان، داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بطرح دعوات وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من تداعيات هذا التصعيد العسكري، ودعم مخيمات النازحين واللاجئين في دول الجوار.

وبلغت قيمة المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للشعب السوداني منذ بدء الأزمة 600.4 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار أمريكي تعهّدت بها دولة الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان الذي عقد في أديس آبابا في 14 فبراير الماضي، ليصل بذلك مجموع ما قدمته الإمارات خلال العشر سنوات الماضية 3.5 مليار دولار قيمة المساعدات الإنسانية للشعب السوداني.
وبلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص من الشعب السوداني الشقيق.

الجالية السودانية في الإمارات

من الواضح ان متوالية الإخفاقات ستتواصل؛ فالشعب السوداني في الداخل أو في معسكرات اللجوء في دول الجوار رأى قبل أي أحد آخر، المساعدات الإنسانية المرسلة من الإمارات من أجلهم. بالإضافة إلى آلاف الأشقاء السودانيين يقيمون في الإمارات بلا مُنغصات ما دفع الجالية السودانية لإصدار بيان تشكر فيه الدولة.  ومؤخرا صدر قرار بإعفاء السودانيين المتعثرين في تجديد الإقامة من سداد أي غرامات تأخير.

دوافع التصعيد

موقف "كيزان بورتسودان" العدائي تجاه الإمارات يحتاج فهمه لبعض من التدقيق في ماضي هذه السلطة، أما فهم لجوئها للتصعيد المستمر والمتسارع في نبرتها العدائية فلا يحتاج إلا لمتابعة حاضرها.

إن موقف دولة الإمارات العربية من التنظيمات الدينية المتشددة وفي مقدمتها الإخوان المسلمين معروف ومعلن منذ سنوات طويلة ويتلخص في اعتبار "كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرض عليه هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعواه"، حسبما أقر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.

على الجانب الآخر فالبرهان وزمرته من قادة المؤسسة العسكرية السودانية ترقوا ووصلوا لمناصبهم خلال فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، وهو الذي وصل للسلطة عام 1989عبر انقلاب عسكري لا يعرف عنه شيء؛ فمن خطط ونظم ونفذ هم قيادات وأعضاء "الحركة الإسلامية"، حسبما أعلن زعيم الحركة ومفكرها الأول د. حسن الترابي خلال لقائه الشهير في برنامج "شاهد على العصر".

تعد "الحركة الإسلامية" في السودان بمثابة فرع "الإخوان المسلمين" هناك، ويعرف كوادرها شعبيا بلفظة "كيزان"، نسبة لجملة الترابي في المصدر نفسه.. حين سئل عن علاقة الحركة بالجماعة الأم ومكتب إرشادها في القاهرة؛ فأجاب: الدعوة بحر ونحن كيزان.

بالتالي فإن "سلطة بورتسودان" ليس إلا امتداد لحكم الكيزان، "الحركة الإسلامية"، فبطبيعة الحال يضع نفسه كعدو طبيعي لدولة الإمارات.

تغطية الفشل

اعتاد الكيزان طوال سنين حكمهم على افتعال المعارك كحل للتغطية على فشلهم، بعدما فشلوا في قيادة السودان افتعلوا معارك داخلية مع الشعب بدعوى الحفاظ على الأخلاق الحميدة، وحين فشلوا في بناء دولة المواطنة للحفاظ على وحدة السودان وأصبح استقلال الجنوب مسألة وقت.. افتعلوا حرب جديدة ضد شعبهم في دارفور.

الأمر نفسه يقوم به البرهان، الذي تربى في كنفهم وصار قائد يرتضونه لمؤسسة يسيطرون عليها، فتعلم طريقتهم في التغطية وتشرب منهم الفشل؛ حين فشلوا في الوصول لحل سياسي مع المتظاهرين السلميين.. هاجم اعتصام القيادة العامة، وحين فشل في قيادة المرحلة الانتقالية.. انقلب على الحكومة المدنية -حكومة حمدوك-، وحين فشل حتى في قيادة الانقلاب.. جر البلاد للحرب. 

وحين فشل في الحرب واضطر للتخلي عن العاصمة والهرب إلى "بورتسودان".. أعلن حرب التصريحات ضد الإمارات، وحين فشل في تأمين أجواء "بورتسودان".. صعد أكثر وذهب إلى محكمة العدل الدولية، وحين جاء الفشل الذريع برفض المحكمة دعواه.. أصدر بيان قطع العلاقات.

صراع وهمي جديد تلقفته اللجان الالكترونية التابعة للحركة، أو كما يسميهم السودانيين "الذباب الإلكتروني"، لعل صوت "التريند" يعلو فوق صوت الإخفاقات التي تلازم هذه الزمرة الكيزانية بقيادة البرهان.