
صورة لروبوت
✍️ المستشار / الخبير الاستراتيجي إلياس قابيل
في حادثة صادمة، هاجم روبوت صناعي مجموعة من العمال في منشأة إنتاج، مخلفًا إصابات خطيرة. وبعد أيام فقط، ألقى روبوت آخر بنفسه من ارتفاع شاهق، ما أدى إلى تحطمه الكامل. وفي حين أن المنطق يفترض أن هذه الحوادث ناجمة عن خلل تقني، جاء رد فعل السلطات والمجتمع أشبه بتحقيق في جرائم غامضة: استدعاء فرق جنائية، خبراء في الطب الشرعي، وتحقيقات تبحث عن “الدافع”. وكأن الروبوت امتلك نية أو اتخذ قرارًا عن وعي!
هذه ليست المرة الأولى التي ننزلق فيها إلى وهم “أنسنة” الآلة، لكن السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا نصرّ على معاملتها كما لو كانت بشرًا؟
هل نعيش خرافة “النية الآلية”؟
حين تفشل فرامل سيارة وتتسبب في حادث، نضع اللوم على الخلل الميكانيكي، لا على السيارة نفسها. لكن عندما يُخطئ روبوت أو نظام ذكاء اصطناعي، نصوغ العناوين وكأننا في أحد أفلام الخيال العلمي: “الروبوت قتل”، “الروبوت انتحر”، “الآلة تمرّدت”… هذا الانزلاق اللغوي ليس بريئًا.
فالروبوت لا يملك عقلًا واعيًا، ولا مشاعر، ولا رغبات. هو ببساطة: أداة ذكية، لكنها بلا إرادة. ما حدث في الحوادث الأخيرة ليس فعلًا نابعًا من نية، بل نتيجة أعطال في البرمجة، فشل في الاستشعار، أو غياب لإجراءات الأمان.
لماذا هذا الخلط الخطير؟
جزء كبير من هذا الخلط يعود إلى هيمنة الثقافة البصرية التي روّجت عبر الأفلام والروايات لفكرة الروبوت “الإنساني”، القادر على الشعور والتمرد وحتى الحب. ومع تسارع تطور الذكاء الاصطناعي، أصبح من السهل إسقاط المشاعر البشرية على الآلات، لمجرد أنها “تتصرف بذكاء”. لكن الذكاء لا يعني الوعي. وهنا يكمن الفخ.
عواقب هذا الفهم الملتبس
حين نُسند نية إلى آلة، فإننا لا نغذي فقط أوهامًا خيالية، بل نقوّض محاسبة الجهة المسؤولة عن الخلل. يصبح السؤال: “لماذا فعل الروبوت ذلك؟” بدلًا من: “من أخطأ في تصميم النظام؟ ومن قصّر في إجراءات الأمان؟”
والأخطر، أن تشبيه تصرف آلي بـ”الانتحار” فيه مسّ بكرامة التجربة الإنسانية، وت trivialization لمعاناة نفسية عميقة يعيشها من يُقدِمون على هذا الفعل المأساوي.
موقفنا الأخلاقي يجب أن يكون واضحًا
- الروبوت لا ينتحر.
- الذكاء الاصطناعي لا يشعر بالحزن أو الغضب.
- الخطأ ليس في نية غير موجودة، بل في نظام يحتاج إلى إصلاح.
علينا أن نقاوم هذا الإغراء الخطابي بأن نعامل الآلة كأنها إنسان. فذلك لا يرفع من شأن التكنولوجيا، بل ينتقص من قيمة الإنسانية. التكنولوجيا وُجدت لتخدم الإنسان، لا لتزاحمه على مشاعره وقراراته.
ختامًا
التطور التقني الهائل يجب أن يُقابل بوعي نقدي أعمق. الروبوتات قد تندهشنا، لكن لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بشأن حقيقتها. إنها آلات. وإذا أخطأت، فالمسؤول هو من صنعها أو أشرف عليها، لا “نفسية الآلة”.
الوعي بهذه الفوارق ليس ترفًا لغويًا، بل ضرورة أخلاقية.