
من الزيارة
✍️ محمد فال معاوية
في مشهد يعكس أبهى تجليات الرقي الإنساني والنهج الثقافي الرشيد، حلّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، ضيفًا كريمًا على العلامة عبدالله بن بيه، في بيته العامر بالمعرفة والوقار في العاصمة أبوظبي.
إنها ليست زيارة عابرة في أجندة مزدحمة، بل لفتة تحمل من الدلالة ما يفوق الكلمات، ومن المعنى ما يعبر عن روح قيادة تعي أن الفكر ليس هامشًا، وأن العلماء ليسوا مجرد أسماء في المراجع، بل قناديل تمضي بالأمم نحو النور.
لم تكن المجالس العلمية يومًا بعيدة عن صُنّاع القرار في دولة الإمارات، فمنذ البدايات، كان هناك وعي متجذر بأن بناء الإنسان لا يكتمل دون بناء الجسور مع أصحاب الحكمة والرسالة.
ولعل هذه الزيارة الكريمة تجسد تلك الرؤية، حيث يأتي ولي العهد بنفسه، متجاوزًا الحواجز البروتوكولية، ليجلس إلى العالم المفكر، يُحييه ويُطمئن عليه، ويعكس صورة إمارات تتنفس احترام الإنسان، وتُكبر العطاء الفكري والديني.
رحّب العلامة عبدالله بن بيه بالشيخ خالد بن محمد بترحاب العارف بالمقامات، مؤكدًا أن في مثل هذه اللفتات تتجلى القيم التي تقوم عليها دولة الإمارات العربية المتحدة؛ قيم الحوار والتقدير والإنصات.
ولم يكن عبدالله بن بيه إلا رمزًا من رموز الحكمة والتوازن، ذاع صيته في آفاق العالم باعتداله، وسِعة علمه، وحضوره المؤثر في قضايا الفكر والدين والسلام.
إن ما تفعله القيادة الإماراتية ليس عملاً شكليًا، بل ممارسة أصيلة تعيد صياغة مفهوم السلطة، من برج عاجٍ بعيد إلى مجلسٍ رحب يسمع ويُصغي، يبادر ويتواضع، يكرّم ويقدّر. وها هو خالد بن محمد بن زايد، يحمل هذا الإرث، ويمضي به واثقًا، ليؤكد أننا أمام جيلٍ من القادة لا يحكم فقط، بل يتفاعل، يتعلم، ويحترم العلماء ويقترب من أهل الفكر بإيمان بأن نهضة الشعوب لا تكتمل إلا بهم.
في عالم تزداد فيه الفجوة بين السياسة والقيم، بين الحكم والمعرفة، تأتي الإمارات لتقدّم درسًا من نوع آخر؛ درس في كيف تصنع المجتمعات الحية من خلال تقدير أصحاب الحكمة، ومساندة قامات الفكر، والاعتراف بدورهم في ترسيخ السلم والوعي.
هي زيارة، لكنها في الحقيقة رسالة: أن دولة الإمارات، بقيادتها الواعية، تكتب فصول المستقبل بالتقدير لا بالتجاهل، وبالإنصات لا بالإقصاء، وبالمعرفة لا بالضجيج.
هكذا تمضي الإمارات في خطى واثقة، تقرأ المستقبل بعين الحاضر، وتكتبه بقلم العلماء.