
أعمال لبناني يدعى أنطوان قسيس
لندن – ربيع يحيي
بين حاوية فاكهة محمّلة بالكوكايين في كولومبيا، ومستودعات الأسلحة في سوريا، تتقاطع خطوط التهريب والجريمة المنظمة، في واحدة من أعقد القضايا التي يعالجها القضاء الأميركي حاليًا.
بطلها: رجل أعمال لبناني يدعى أنطوان قسيس، أُلقي القبض عليه في نيروبي مطلع هذا العام، وسلمته كينيا للولايات المتحدة بتهم تتعلق بـ”الإرهاب المرتبط بالمخدرات”، في إطار شبكة دولية تدير عمليات تهريب وغسيل أموال بمستويات غير مسبوقة.
تهريب الكوكايين إلى سوريا.. مقابل أسلحة الأسد!
وفق لائحة اتهام أصدرتها المحكمة الفيدرالية في ولاية فيرجينيا، قسيس متهم بمحاولة تهريب 500 كيلوغرام من الكوكايين من كولومبيا إلى ميناء اللاذقية، مع وسيط كولومبي من جماعة جيش التحرير الوطني (ELN) المصنفة إرهابية، مقابل الحصول على أسلحة من مخازن الجيش السوري النظامي السابق، الذي تفكك رسميًا عقب إسقاط نظام الأسد أواخر العام الماضي.
Breaking News
ما كانت تبدو صفقة عصابات عابرة، تحوّلت إلى تحقيق فدرالي دولي يكشف عن شبكة متشعبة، تصل بين مافيا المخدرات اللاتينية وفلول أنظمة الشرق الأوسط المنهارة، وتعيد طرح أسئلة كبرى عن مصير ترسانة الأسد بعد سقوطه، والطرف/الأطراف التي تتحكم بها فعليًا.
وسطاء من بيروت.. إلى كارتلات سينالوا
الوثائق القضائية تشير إلى أن قسيس اجتمع بعدة مسؤولين من جيش التحرير الكولومبي في ربيع 2024، لتأمين نقل الكوكايين داخل حاويات فاكهة مموهة، عبر البحر، وصولًا إلى الساحل السوري، وتحديدًا اللاذقية، مقابل شحنة أسلحة تشمل بنادق هجومية وراجمات صواريخ وصواريخ موجهة.
لكن القضية أعمق من مجرد صفقة كوكايين مقابل سلاح، إذ توصل التحقيق الأمريكي إلى أن المتهم ينتمي إلى شبكة دولية مقرها لبنان، تورطت في عمليات مشابهة مع كارتل سينالوا المكسيكي، أحد أخطر منظمات تهريب المخدرات في العالم.
ما يثير الانتباه هو أن هذه الصفقة تمت بعد سقوط النظام السوري، وهو ما يُلقي بظلال من الشك على طبيعة الجهة التي ما زالت تتحكم بمخازن سلاح الأسد. هل هي أجهزة أمنية سابقة؟ فصائل مسلحة؟ ميليشيات خارجة عن السيطرة؟ أم ربما النظام البديل نفسه في سوريا، الذي لم تتضح ملامحه بالكامل بعد؟
إسرائيل على الخط.. وغارات بلا طائل؟
جدير بالذكر أن الطيران الحربي الإسرائيلي كان قد شن سلسلة من الغارات على مخازن الجيش السوري في الأشهر التي تلت سقوط النظام، بهدف منع وقوع الأسلحة بيد “كيانات إرهابية”، وفق المزاعم الإسرائيلية. لكن هذه القضية تشير إلى أن تلك الجهود لم تمنع تسرب السلاح، وأن بعض تلك المستودعات ربما باتت في يد جماعات إجرامية تُجري صفقات عبر القارات.
من يشتري؟ من يبيع؟ ومن يتستر؟
السؤال الأبرز الذي يطرحه التحقيق الأميركي ولم يجد إجابة حتى الآن: من الجهة التي ستحصل على الكوكايين؟ ومن تبيع الأسلحة؟
هل نتحدث عن جهة واحدة تمتلك القدرة على الوصول إلى الأسلحة السورية، وتطمح لاستخدام الكوكايين كوسيلة تمويل؟ أم عن صفقة ثلاثية تتوسط فيها شبكة قسيس بين مليشيا اللاتينية وجهة شرق أوسطية ثالثة؟
وما الدور الذي تلعبه شبكات غسيل الأموال في لبنان، والتي لطالما وُجهت لها أصابع الاتهام في تمويل جماعات مسلحة في سوريا والعراق واليمن؟
خريطة جديدة للتهريب.. على أنقاض الشرق الأوسط
ما تكشفه هذه القضية، هو أن السقوط الأمني والسياسي في سوريا، لم يؤد فقط إلى فراغ في السلطة، بل أتاح لمافيات دولية أن تجد موطئ قدم لها في موانئ ومخازن ومعابر ظلت لعقود تحت سيطرة الدولة.
وما دام لا أحد يعرف من يسيطر فعليًا على ما تبقى من ترسانة الأسد، فإن خطر تدفق الأسلحة مقابل المخدرات، مرشح لأن يتحول إلى أزمة أمن إقليمي جديدة.