
من تل أبيب بعد الهجوم الإيراني
إعداد: جوناثان ريد
في لحظةٍ كثيفة بالدخان والأسئلة، استيقظ الشرق الأوسط على مشهد غير مسبوق من العنف المتبادل. إسرائيل تقصف قلب المشروع النووي الإيراني، وطهران ترد بوابل صواريخ يحوّل مدنًا إسرائيلية إلى خرائب. لم تعد المواجهة ضربات استباقية وردودًا محسوبة، بل انزلقت إلى مدار أكثر خطورة، حيث تتهاوى الخطوط الحمراء واحدة تلو الأخرى.
وسط هذا التصعيد، يحذر خبراء غربيون من أن المنطقة تقترب بسرعة من حافة الانفجار الشامل، وأن الحرب لم تعد احتمالًا، بل سيناريو يُعاد رسمه على الخرائط العسكرية والسياسية.
فهل نشهد لحظة عابرة من الجنون الاستراتيجي، أم بداية لانهيار شامل في بنية الأمن الإقليمي؟ وهل باتت واشنطن وطهران وتل أبيب تحرّك المنطقة نحو كارثة لا قرار لها؟ وأي جبهة ستكون التالية؟
من يتحمّل المسؤولية؟
يرى الخبير الأمريكي في شؤون الأمن القومي، ريتشارد بلاك، أن الطرفين – إيران وإسرائيل – قد تجاوزا كل الخطوط الحمراء، ويدفعان المنطقة نحو “حافة الانهيار الجيوسياسي”.
ويضيف:
“الضربة الإسرائيلية لم تحقق أهدافها النووية، وردّ طهران أظهر أن لديها بنك أهداف كبيرًا وقدرات صاروخية متقدمة، تكشف خللًا خطيرًا في الردع الإسرائيلي.”
من جهتها، تؤكد الباحثة في العلاقات الدولية، إيميلي كارتر، أن غياب التوازن في الردع جعل من التصعيد الأخير أمرًا حتميًا.
وتوضح:
“كل طرف يحاول فرض معادلة جديدة على الأرض، لكن النتيجة الوحيدة حتى الآن هي سفك الدماء، وانكشاف هشاشة الأمن الإقليمي.”
تحالفات إقليمية تحت الضغط
التصعيد الخطير دفع بعدة قوى إقليمية إلى مراجعة مواقفها. الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تجد نفسها أمام تحدي التوازن بين الشجب الدبلوماسي وعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية.
اقرأ أيضا
كواليس خطيرة من أعماق الأرض: كيف خطط الكابينت لهجوم إيران ولماذا فشل؟
أما تركيا ومصر، فتراقبان بحذر. ويقول المحلل السياسي المصري، د. عمرو الهلالي:
“لا أحد يرغب في الانجرار إلى هذه الحرب، لكن في حال اتسعت الدائرة لتشمل حزب الله أو ميليشيات موالية لإيران في العراق وسوريا، فإننا أمام جبهة مشتعلة قد تُفرض على الجميع.”
بدوره، يرى الباحث الروسي في معهد موسكو للسياسات الدولية، سيرغي بارانوف، أن الحرب “لن تبقى ثنائية”:
“أخطر ما في هذا المشهد أنه يتجه للتدويل.. ومع كل ضربة، تقلّ فرص العودة إلى طاولة المفاوضات.”
واشنطن.. بين الدعم والحذر
رغم إعلانها “الوقوف إلى جانب إسرائيل”، تجد إدارة ترامب نفسها في مأزق إستراتيجي. فالتدخل المباشر سيجرّ واشنطن إلى حرب واسعة، بينما الحياد قد يُفقدها النفوذ أمام خصومها في المنطقة.
وبحسب تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن:
“إدارة ترامب تدرك أن التصعيد المستمر يهدد بانفجار إقليمي لا يمكن السيطرة عليه، خاصة في ظل تعقيدات الملف النووي الإيراني والانقسامات داخل البيت الأبيض بشأن طبيعة الرد.”
هل هناك فرصة للتهدئة؟
المؤشرات الحالية لا توحي بقرب تهدئة. إسرائيل، بحسب تصريحات قادتها، تدرس “خيارات أكثر إيلامًا”، بينما تواصل إيران التلويح بجاهزيتها لجولات إضافية من الرد.
اقرأ أيضا
الخليج وإيران بعد الضربة الإسرائيلية: تحالفات الحذر أم طريق للمواجهة؟
ويخشى مراقبون من أن غياب وساطة دولية فعالة – في ظل انشغال أوروبا بالحرب في أوكرانيا وملفات الهجرة – قد يجعل الطريق إلى التهدئة مسدودًا.
يقول الخبير الفرنسي جان بيار دوبوا:
“الكل يراهن على الوقت، لكن الشرق الأوسط لا يملك ترف الانتظار.. كل ساعة من التصعيد تُقرّب المنطقة من الكارثة.”
خاتمة
االشرق الأوسط يقف على حافة هاوية حقيقية. فمع كل صاروخ يُطلق، ومع كل جولة تصعيد، تتضاءل فرص العودة إلى التهدئة.