image

من الضربة الإسرائيلية لإيران

تدق طبول الحرب، وتنعق البوم فوق خرائب محتملة لمدينة ما في الشرق الأوسط. مشهد يبدو مألوفًا، لكن هذه المرة ليس في بغداد 2003، بل بين تل أبيب وطهران، والفاعل ذاته: واشنطن، تحت عباءة عودة الرئيس دونالد ترامب إلى واجهة القرار.

مع تصاعد الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وتزايد التصريحات الغامضة من البيت الأبيض، بدأت تلوح في الأفق ملامح نسخة جديدة من الغزو الأميركي للعراق. لكن هل التاريخ على وشك أن يعيد نفسه؟

الدخان يتصاعد في طهران إثر قصف إسرائيلي السبت

مؤشرات التصعيد: رسائل من نار

تشير التطورات الأخيرة إلى حرب استخباراتية وجوية تتصاعد نحو ما قد يكون مواجهة مفتوحة. إسرائيل، التي استهدفت منشآت نووية في طهران وتبريز، تلقت ردًا صاروخيًا مكثفًا زعزع عمقها الأمني، فيما تزامنت تحركات أميركية بحرية وجوية مريبة في الخليج.

يقول المحلل العسكري الأميركي دانيال كروفورد، من معهد ستراتفور:

“ما يجري ليس مجرد ردود فعل تكتيكية، بل تحضير ميداني لعملية استراتيجية أوسع. إيران لم تعد مجرد تهديد نووي، بل باتت هدفًا محتملاً لتغيير النظام.”

السيناريو العراقي.. هل يتكرر في إيران؟

في العراق، سبقت الحرب حملة إعلامية ضخمة مهدت لتبرير الغزو بحجة “أسلحة الدمار الشامل”. واليوم، يتكرر الأمر نفسه مع إيران عبر تقارير استخباراتية غربية تتحدث عن نقل طهران لمكونات نووية إلى مواقع سرية.

من سقوط الصواريخ الإيرانية في إسرائيل

الخبير الروسي أندريه زولوتوف، من مركز الدراسات الدولية في موسكو، يرى أن:

“أميركا تبحث عن لحظة ‘كولن باول جديدة’ في مجلس الأمن، لشرعنة ضربة شاملة لإيران، تمامًا كما فعلت مع العراق.”

لكن الفارق الجوهري أن إيران ليست معزولة كالعراق، ولا تحت حصار شامل، وتملك شبكات نفوذ عابرة للحدود قادرة على إشعال أكثر من جبهة، من لبنان إلى اليمن، مرورًا بسوريا والعراق.

الغموض الخليجي والمصري.. انتظار أم حسابات؟

رغم التهديدات الإيرانية المباشرة للقواعد الأميركية في الخليج، لم تصدر مواقف رسمية حازمة من الرياض أو أبوظبي أو القاهرة، سوى دعوات للتهدئة.

رجل يحمل فتاة مصابة بعد انفجار في وسط طهران

باحث سعودي من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، فضل عدم الكشف عن اسمه، يرى أن:

“الخليج في حالة ترقب مشوب بالحذر. لا أحد يريد حربًا مفتوحة، لكنها قد تُفرض على الجميع إذا تجاوزت إيران الخطوط الحمراء”.

أما الخبير المصري، الذي فضل عدم ذكر اسمه، من مركز دراسات سياسية،، فيرى أن:

“مصر توازن بين مصالحها الاستراتيجية مع واشنطن، وموقفها التقليدي الرافض للتدخلات العسكرية التي تهدد استقرار الشرق الأوسط.”

الخيار العسكري.. تدمير أم ترويض؟

تتباين التقديرات حول نية واشنطن. هل الهدف إسقاط النظام الإيراني كما حدث مع صدام؟ أم فقط ضربة جراحية تشل المشروع النووي وتعيد طهران إلى الطاولة؟

صورة من القمر الصناعي تُظهر منشأة تخصيب اليورانيوم في أصفهان بإيران

يقول المحلل الأمني البريطاني ريتشارد ويلسون:

“ما يجري هو ‘تكتيك حافة الهاوية’… الإدارة الأميركية تلعب بالنار لإجبار إيران على الانصياع دون حرب شاملة. لكن اللعبة خطيرة، وأي خطأ في التقدير قد يشعل المنطقة برمتها.”

اقتصاد الشرق الأوسط.. الضحية الأولى

في ظل هذا التصعيد، بدأت أسواق المال تهتز، وأسعار النفط تقفز، والعملة الإيرانية تنهار، فيما تسود مخاوف من موجة لجوء جديدة إذا انفجرت الجبهات.

أوروبا تحذّر: لا نريد “عراقًا جديدًا” على أبوابنا

البحث عن ناجين في مبان بمدينة بات يام جنوب تل أبيب تعرضت لقصف صاروخي إيراني (غيتي إيميجز)

فرنسا: “شبح الفوضى النووية يطلّ على المتوسط”

تتابع باريس تطورات التصعيد بقلق بالغ، خاصة في ظل قربها الجغرافي من منطقة المتوسط وتخوفها من أي انزلاق نووي قد يشعل موجات نزوح جديدة ويؤثر على أمن أوروبا.

الباحث الفرنسي جان لوران فيفييه – من معهد العلاقات الدولية في باريس (IFRI) – يقول:

“فرنسا تدرك أن ضرب إيران لن يكون كضرب العراق أو ليبيا. طهران لاعب إقليمي كبير تملك أدوات الرد على مستويات متعددة. أي حملة عسكرية ستخلق حالة فوضى تمتد من المتوسط إلى قلب آسيا، وستضع أوروبا أمام أزمة لجوء وأمن غير مسبوقة.”

ويضيف:

“الرئيس ترامب يعيد هندسة الشرق الأوسط بخرائط الحروب، لكن فرنسا ترى أن هذا المشروع محفوف بمخاطر التفكك الإقليمي، خاصة في العراق وسوريا ولبنان.”

بريطانيا: “ضرب إيران هو لعب بالنار”

في لندن، الموقف أكثر حذرًا، إذ لا تزال ذاكرة حرب العراق حيّة في أروقة السياسة البريطانية. وقد فشل البرلمان البريطاني سابقًا في تمرير تفويض مشابه لما جرى في 2003 دون أدلة دامغة.

الخبير البريطاني في شؤون الأمن القومي، مارك هندرسون – من مركز تشاتهام هاوس – يرى أن:

“واشنطن قد تجد نفسها وحيدة في هذه الحرب. حتى أقرب حلفائها الأوروبيين لن يغامروا بدعم ضربة لا تحمل غطاءً دوليًا قويًا.”

ويتابع:

“الحرب على إيران ستكون معقدة، فلن يواجه الغرب فقط الدولة الإيرانية، بل شبكة ممتدة من الوكلاء من اليمن إلى لبنان. إنها مواجهة لا تشبه العراق ولا حتى أفغانستان.”

ألمانيا: “أي حرب ضد إيران ستفتح أبواب الجحيم على أوروبا”

في برلين، تبدو التحذيرات أكثر صراحة. ألمانيا، التي سبق أن عارضت غزو العراق، ترى أن ضرب إيران سيشعل ساحة ممتدة من أفغانستان حتى البحر المتوسط، وهو أمر سيضع الأمن الأوروبي على المحك.

المستشار الأمني الألماني هانز بويرمان – من مركز برلين للسياسات الدولية – يقول:

“الضربات الجوية لن تُنهي المشروع النووي الإيراني. بل قد تُعجّل به. إننا أمام إيران مختلفة تمامًا عن عراق صدام. لديها قدرات سيبرانية وصاروخية، ووكلاء مسلحون على حدود إسرائيل والخليج.”

ويضيف:

“من المستحيل عزل هذه الحرب عن أوروبا. اللاجئون، الهجمات الإلكترونية، وعودة الجهاديين ستكون جزءًا من التكلفة، والغرب سيدفع الثمن.”

إيطاليا: “نحن الأقرب إلى الانفجار.. وعلينا أن نكون صوت العقل”

روما، التي تعاني أصلًا من تدفقات الهجرة غير النظامية، تنظر بقلق بالغ لأي حرب محتملة. فالفراغ الأمني في الشرق الأوسط سيعني موجات نزوح جديدة عبر المتوسط.

تصاعد الدخان من أحد المواقع في مدينة حيفا (CNN) غيتي إميجز

الباحث الإيطالي في الجغرافيا السياسية ماركو سانتيني – من جامعة تورينو – يقول:

“إيطاليا تعرف أن الحرب في إيران ستُطلق دومينو من الكوارث في الإقليم، وستعيد إنتاج شبكات تهريب البشر والسلاح، وستضع الجنوب الأوروبي على خط النار.”

ويضيف:

“يجب أن تلعب أوروبا دور الموازن، لا التابع. لا يمكننا أن نسير خلف واشنطن في هذا السيناريو الكارثي.”

ختام: الشرق الأوسط.. في مهب سيناريو العراق

هل تكرر أميركا سيناريو العراق؟ ربما. لكن المؤكد أن الشرق الأوسط يقف أمام منعطف خطير، حيث تتقاطع الحسابات النووية مع الطموحات الجيوسياسية، والخاسر الأكبر قد يكون الشعوب التي لا صوت لها في غرف القرار.

الحرب قادمة؟ ربما لا. لكنها ليست مستبعدة… والبوم ينعق بالفعل.

تحليل حصري – لندن | اليوم ميديا