image

المحادثات بدأت فعليًا في مارس الماضي نقلا عن صحيفة "فاينانشيال تايمز"

بقلم: محمد فارس العلي – كاتب وباحث في الشؤون الإنسانية والسياسية

في قلب مأساة غزة التي لا تنتهي، ينبثق فصل مظلم جديد في قصة التشريد الفلسطيني، يتلخص في مشروع خطير يهدد بنقل الفلسطينيين قسرًا إلى أرض الصومال، الإقليم الانفصالي المعزول الذي يعاني أزمات لا تقل قسوة عن معاناة الفلسطينيين أنفسهم. هنا، في هذه الأرض التي لم تزل تعاني ويلاتها، يُرسم مصير اللاجئين الفلسطينيين الجدد، لتتحول أرض الصومال إلى “مقبرة الأمل” حيث تُدفن أحلام الحرية والعودة.

الشتات.. لا مهرب منه

التهجير القسري ليس مجرد تغيير مكان، بل هو طعن في جوهر الإنسان وهويته. الفلسطيني الذي عاش نكبة عام 1948 وتجددت معاناته مع الاحتلال والحروب المتكررة، يجد نفسه اليوم مدفوعًا نحو منفى أبعد وأشد قسوة، حيث لا بوصلة للعودة ولا ضمان للكرامة.

الصومال، التي تكاد تنزلق في هاوية الفوضى السياسية والاقتصادية، لن تكون ملاذًا بل محطّة جديدة في رحلة الشتات التي لا تنتهي. وفي لعبة المصالح الكبرى، يتحول الفلسطيني إلى مجرد ورقة في صفقة عسكرية وجيوسياسية باردة، تُغفل البعد الإنساني وتتناسى التاريخ.

مأساة في أفق بعيد

أن تُسجن الآمال في أرض بعيدة، بلا سيادة أو استقرار، هو انتهاك مزدوج. فكيف لمن فقد وطنه أن يُحرم حتى من أفق الأمل؟ الفلسطيني في الصومال ليس فقط لاجئًا، بل هو ضحية لتاريخ يعيد نفسه، حيث تُكرر النكبات وتُعمّق الجراح.

هنا، تطرح أسئلة وجودية مؤلمة: هل سيبقى الفلسطينيون هناك أسرى واقع مرير، يُفرض عليهم خارج رغبتهم، في مكان لا يُعبّر عن حقهم في الحياة والكرامة؟ وهل سيبقى العالم يراقب دون أن يتحرك؟

السياسة تخنق الإنسانية

خلف هذا التهجير القسري تخبو الأصوات الإنسانية، وتشتعل صراعات المصالح التي تهيمن عليها الحسابات الأمنية والسياسية. التنازل عن الفلسطينيين في هذا الموقع الجديد هو تفريط خطير في واجب الإنسانية، وعجز ذريع عن حماية حقوق شعب يعاني منذ عقود.

إن استغلال معاناة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب عسكرية وجيوسياسية هو وصمة على جبين المجتمع الدولي، الذي يفترض به أن يكون صوت الحق والدعم، لا صانع الخراب والتشريد.

الأمل.. من ينقذه؟

الأمل، رغم كل المآسي، هو القوة التي ما زالت تحرك الفلسطينيين في مواجهتهم المستمرة للاحتلال والتهجير. ولكن تهجيرهم إلى أرض الصومال، “مقبرة الأمل”، هو محاولة لإخماد هذه النار، وفصلهم عن جذورهم وأحلامهم.

إن استعادة الأمل لا تأتي إلا بالاعتراف بالحقوق، وبوقف سياسات التهجير القسري، وبالعمل الجاد لإنهاء الاحتلال، لتبقى فلسطين حاضنة أحلام شعبها، لا مأواه في الغربة والتشريد.