
الذكاء الاصطناعي يصبح شريكًا أصيلاً في صناع القرار
بقلم: محمد فال معاوية
في قلب عالم ينساب بسرعة الضوء، حيث تتقاطع المعرفة والتقنية في نهر واحد لا ينضب، تشرق شمس الإمارات بنور جديد يعلن بداية عهد لم تعرفه من قبل. عهدٌ يُكتب فيه تاريخ القرار بحبر الذكاء الاصطناعي، ويُصاغ المستقبل بعقلٍ إلكتروني يتجاوز حدود الإدراك البشري التقليدي.
الإمارات اليوم ليست مجرد دولة تسير على دروب التنمية، بل هي منارة لعصر جديد، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا أصيلاً في صناعة القرار، متجاوزًا الحواجز التقليدية التي لطالما قيدت الحكومات في مواجهة تعقيدات العصر الحديث.
في هذه اللحظة الحاسمة، نحن أمام فصل جديد من التاريخ، حيث يُعيد الإنسان تعريف دوره في حُكم نفسه ومجتمعه. الذكاء، الذي لطالما كان مرآة للعقل الإنساني، أصبح الآن قوة فاعلة تتدخل في توازنات الحكم والإدارة. الإمارات بهذا القرار، تعلن بداية مرحلة تتجاوز الحكمة الفردية، لتحتضن حكمة الآلة التي تحلل، تتوقع، وتتصرف في ظل معلومات دقيقة وتدفقات بيانات لا تنتهي.
في الفلسفة، يُقال إن الإنسان هو كائن يبحث عن المعرفة، وأسمى تجليات هذه المعرفة هي القدرة على اتخاذ القرار الصائب في لحظة التردد والشك. واليوم، حين يُكلف الذكاء الاصطناعي بأن يكون مستشارًا وحكمًا، فإننا نُعيد النظر في مفهوم “القرار” ذاته. هل هو نتاج تجربة وخبرة بشرية فقط؟ أم يمكن أن يكون مزيجًا بين الروح الإنسانية والآلة التي لا تعرف التعب أو الانحياز؟
هذا هو السؤال الذي تطرحه الإمارات على العالم، وتجيب عنه بفعلها: “القرار الذكي” ليس وليد المصادفة أو العشوائية، بل نتاج تحليلات باردة مدعومة بأعلى مستويات التكنولوجيا، تمكن الدولة من التنبؤ بالمستقبل، وتجاوز أزماته قبل وقوعها.
لا يمكن أن نتجاهل البُعد الإنساني في هذا المشهد الجديد. فالذكاء الاصطناعي لا يُقصي العقل البشري، بل يُكمله، يُحرره من قيود التحيز، العاطفة، وسرعة الاستجابة المحدودة. بهذا المعنى، يصبح الذكاء الاصطناعي صوت العقل الجمعي، الذي يلتقط أفضل ما في تجاربنا ويُحولها إلى سياسات تنموية متوازنة، مستدامة، وإنسانية في جوهرها.
لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود. فمع قوة الذكاء تأتي مسؤولية أخلاقية ضخمة. كيف نحفظ خصوصية الأفراد؟ كيف نمنع تحيّز الآلات؟ وكيف نضمن أن تبقى القرارات نابعة من روح العدالة والشفافية؟ الإمارات، برؤيتها المستقبلية، لا تغفل هذه التساؤلات، بل تضعها في قلب استراتيجياتها، من خلال أطر حوكمة صارمة وتنظيمات تضمن الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في خدمة الإنسان لا على حسابه.
في النهاية، إعلان الإمارات عن اعتماد منظومة الذكاء الاصطناعي كعضو استشاري في مجلس الوزراء ليس مجرد قرار إداري، بل هو إعلان فلسفي ووجودي. إنه اعتراف بأن العصر الذي نعيش فيه هو عصر المعرفة الميكانيكية، وأن المستقبل ليس للأقوى فقط، بل للأذكى، لمن يتقن دمج روح الإنسان مع قوة الذكاء الاصطناعي.
وهكذا، تبدأ الإمارات برسم ملامح عهد جديد، عهد “حكم الذكاء”، الذي يعِد بأن يكون أكثر دقة، حكمة، وعدلاً. ليس فقط لأنها تستخدم تقنية متطورة، بل لأنها تستشرف الأفق الذي يعيد تعريف معنى القيادة والحكم في عالم متغير لا يعرف الثبات.