image

ترامب ونائبه، جيه دي فانس، في غرفة العمليات بالبيت الأبيض يوم السبت (الغارديان) رويترز

لم يكن صوت الانفجار وحده ما دوّى في سماء الشرق الأوسط فجر السبت، بل زلزلت الضربة الأميركية للمواقع النووية الإيرانية توازنات أمنية، وهزّت الأعصاب في عواصم الخليج التي باتت تخشى ما لا يُرى: الإشعاع، والانهيار، والفوضى القادمة من باطن الأرض.

فحين تُقصف منشآت نووية محصّنة مثل “فوردو”، لا يكون السؤال فقط: هل نجحت الضربة؟ بل: هل تسرب شيء؟ هل ما زال الخليج آمنًا؟

الخليج والخطر الإشعاعي.. مياه تُراقب بصمت

منذ اللحظة الأولى، هرعت أجهزة الرصد البيئي في دول الخليج لرصد أي إشارات لتسرّب نووي محتمل. فالمسافة بين مواقع الضربة داخل إيران وسواحل الخليج العربي لا تتعدى مئات الكيلومترات، ناهيك عن الطبيعة الجيولوجية التي تسمح بانتقال التلوث عبر الهواء أو حتى الطبقات الجوفية إلى مياه البحر، حيث تعتمد دول الخليج بشدة على التحلية.

الدكتور مايكل هاربر، كبير الباحثين في “معهد الطاقة والبيئة العالمي” في أوسلو، حذر في تصريح لـ”اليوم ميديا”:

“القصف فوق مواقع نووية نشطة دون التأكد من احتواء الوقود المُخصّب أو المفاعل قد يؤدي إلى كارثة صامتة. لا نحتاج انفجارًا نوويًا كي نتحدث عن تلوث.. تسرب صغير يكفي لتسميم دورة المياه في الخليج لعقود.”

وأضاف أن الرصد يجب ألا يكون لحظيًا فقط، بل مستمرًا، لأن بعض الجسيمات المشعة قد تستغرق أيامًا لتظهر آثارها في الهواء أو الماء.

ضربة للاقتصاد الخليجي.. النفط على فوهة مفاعل

اقتصاد الخليج، رغم قوته الظاهرة، هش أمام الهزات الجيوسياسية. الضربة الأميركية أشعلت أسعار النفط فورًا، لكنها في الوقت ذاته دفعت المستثمرين إلى القلق من اندلاع حرب أوسع قد تُغلق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لصادرات الخليج.

جيمس نورثام، خبير الأسواق في “بنك غولدمان ساكس”، يقول:

“أي مؤشر على تسرّب إشعاعي في المنطقة يعني ارتفاع تكاليف التأمين على شحنات النفط، وخطر على محطات التحلية، وربما خروج جزئي للعمالة الأجنبية من بعض الموانئ الحساسة. التأثير ليس لحظيًا، لكنه تراكمي وخطير.”

الأمن الخليجي.. جغرافيا مكشوفة

من الناحية الأمنية، تواجه دول الخليج معضلة مزدوجة: التهديد النووي المحتمل، وردود فعل إيران. فطهران قد ترى في بعض دول الخليج بوابة الهجوم الأميركي، وقد تختار معاقبتها عبر أذرعها في اليمن والعراق ولبنان، أو حتى عمليات تخريب إلكترونية وصاروخية غير مباشرة.

الدكتورة كاثلين مارشال، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، تقول لـ”اليوم ميديا”:

“السعودية والإمارات والبحرين في قلب الأزمة، لا لشيء سوى لقربها الجغرافي وتحالفها الاستراتيجي مع واشنطن. الضربة الأميركية وضعت الخليج في دائرة الانتقام، وفتحت الباب أمام سباق تسلح غير معلن، وربما جهود نووية مضادة مستقبلاً.”

الدبلوماسية المرهَقة.. الخليج بين واشنطن وطهران

سياسيًا، تبدو عواصم الخليج مُحرجة. فمن جهة، تدعم الجهود الأميركية لكبح طموحات إيران النووية. ومن جهة أخرى، تُدرك أن أي مواجهة مباشرة ستدفع هي ثمنها أولًا.

خبير سياسي عربي مقرّب من الأوساط الخليجية يصرّح دون ذكر اسمه:

“ليس من مصلحة الخليج التصعيد، لكنه عاجز عن قول لا لواشنطن، ولا يستطيع فتح قنوات موازية مع طهران بعد هذا التصعيد. نحن أمام حالة من التجميد الدبلوماسي، مع تصاعد الخطر البيئي والعسكري.”

ماذا بعد؟

يبقى الخليج اليوم على خط تماس هش بين الأمل والمخاوف. فالضربة الأميركية التي استهدفت المواقع النووية الإيرانية قد تكون خطوة استراتيجية للحد من التهديد، لكنها في الوقت نفسه فتحت بابًا غير مضمُون النتائج نحو كارثة بيئية وصحية قد تطال ملايين المدنيين.

كما يحذر الخبراء، لا يزال الطريق محفوفًا بالمخاطر، وتتطلب المرحلة القادمة تعاونًا دوليًا مكثفًا لمراقبة الوضع البيئي وضمان سلامة مياه الخليج، إضافة إلى تعزيز الحلول الدبلوماسية التي تكبح موجات التصعيد في المنطقة.

الدكتور مايكل هاربر يؤكد لـ”اليوم ميديا”:
“لا يكفي إعلان انتهاء الضربة بنجاح عسكري، بل يجب أن يرافقها نظام رصد بيئي مستمر وشفاف، وإلا سنواجه كارثة إنسانية بطيئة الحركة لا صوت لها سوى الصمت الإشعاعي.”

من وحدة التحليل السياسي – لندن – اليوم ميديا