
مجموعة من الإيرانيين يحتفلون في أعقاب الهجوم الإيراني على القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر (الغارديان)
عندما أعلنت إيران مسؤوليتها عن استهداف قاعدة “العديد” الجوية في قطر، أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، بدا المشهد مفاجئًا للكثيرين. فالضربة لم تطل السعودية أو الإمارات، بل بلدًا يرتبط بعلاقات مستقرة نسبيًا مع طهران، بل ويُنظر إليه في بعض الأوساط كوسيط محتمَل في النزاعات الإقليمية.
لكن، كما يقول المثل الدبلوماسي: “في السياسة لا مفاجآت، بل رسائل”. فهل كانت هذه الضربة الإيرانية جزءًا من مسرحية مدروسة لحفظ ماء الوجه؟ أم هي بداية تصعيد فعلي؟
لماذا الدوحة؟.. الجغرافيا السياسية كأداة انتقائية
يقول المحلل الأمني الأميركي “ديفيد شتاينر”، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى:
“اختيار إيران لقاعدة العديد لم يكن صدفة، بل قرار محسوب بدقة. أرادت طهران إيصال رسالة لواشنطن دون تجاوز الخطوط الحمراء الخليجية”.
فقطر، رغم احتضانها للقاعدة الأميركية الضخمة، تحافظ على علاقات متوازنة مع إيران، كما أنها لم تنخرط علنًا في دعم الضربات الإسرائيلية الأخيرة لطهران، ما يجعل الرد الإيراني على أراضيها “أقلّ إحراجًا” لدول الخليج الأخرى، ولا سيما السعودية والإمارات.
ضربة رمزية أكثر من كونها استراتيجية
بحسب مصادر استخباراتية غربية نقل عنها موقع “ميدل إيست آي”، فإن الضربة على العديد لم تُحدث أضرارًا كبيرة، ولم تُسجَّل إصابات أميركية.
وهذا ما يؤكد -برأي مراقبين- أن الضربة كانت استعراضية، تهدف لحفظ ماء وجه النظام الإيراني أمام جمهوره الداخلي، بعد تلقيه ضربات موجعة من إسرائيل بدعم أميركي واضح.
يقول المحلل الفرنسي “جان بيار لومير”، المتخصص في شؤون الخليج:
“إيران تعرف تمامًا أن أي هجوم حقيقي على القوات الأميركية في السعودية أو الإمارات سيقابل بردّ ساحق. لكن ضرب العديد في قطر يمنحها ‘رصيد مقاومة’ دون مغامرة كبرى”.
هل نسّقت طهران مع الدوحة وواشنطن؟
واحدة من أكثر الفرضيات تداولاً في الأوساط الدبلوماسية هي وجود تنسيق ضمني أو غير مباشر بين إيران والولايات المتحدة – وربما قطر – قبل الضربة.
ويرى الباحث البريطاني “توماس هولدن” من مركز ستراتفور أن:
“هناك دلائل غير رسمية على أن الإيرانيين أبلغوا أطرافًا غربية بأن الرد سيكون محدودًا. وهذا يفسّر سبب عدم وقوع إصابات، ورد الفعل الأميركي الخافت نسبيًا”.
وقد تكون الدوحة، بحكم موقعها الجغرافي والديبلوماسي، قد لعبت دور “الممر الآمن” لهذا الرد، في إطار تفاهمات غير معلنة لتجنب التصعيد الشامل.
لماذا لم تضرب طهران قواعد أميركا في السعودية أو الإمارات؟
الإجابة ببساطة: الخطوط الحمراء.
فإيران تعرف أن استهداف مصالح أميركية في السعودية أو الإمارات يُعد بمثابة إعلان حرب شاملة، وقد يجر الخليج برمته إلى مواجهة لا تملك طهران أدوات إدارتها.
ثم إن علاقات إيران بالرياض وأبوظبي دخلت خلال العامين الماضيين في مرحلة “تطبيع حذر”، لا تريد طهران أن تدمّرها، خصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها داخليًا.
ماذا تريد طهران؟.. بين الداخل والخارج
الضربة على قاعدة العديد ليست مجرد رد عسكري، بل رسالة متعددة الطبقات:
- للداخل الإيراني: نحن لم نصمت، وها نحن نرد على “العدو الأكبر”.
- للولايات المتحدة: لدينا القدرة على الوصول إلى جنودكم أينما كانوا.
- لدول الخليج: لسنا مضطرين لتصعيد مباشر معكم، لكننا نُمسك أوراق اللعبة.
- لإسرائيل: الردّ قادم بطريقة غير مباشرة.. وعبر مسارح متفرقة.
خاتمة: ضربة تحفظ ماء الوجه.. لا تشعل الحرب
في النهاية، تبقى الضربة الإيرانية على قاعدة العديد محاولة من طهران لتفادي الوقوع في “فخ الرد أو الذل”، وفق التعبير الذي استخدمه أحد مستشاري الحرس الثوري سابقًا.
لقد أرادت طهران أن تضرب، لكن دون أن تُوجَع، أن تُهدِّد دون أن تُحرّك الجبهات، وأن ترد دون أن تُدخل نفسها أو الخليج في مواجهة كارثية.
ولعل السؤال الآن ليس: هل تنتهي الحرب؟ بل: كم من هذه الرسائل المتبادلة سنراها قبل أن تنفجر الحقيقة؟
وحدة التحليل السياسي – لندن – اليوم ميديا