
نازحون فلسطينيون في مخيم النصيرات للاجئين يصطفون للحصول على الطعام في ظل وضع متدهور (الأناضول)
في مشهد يختزل عمق المعاناة التي يرزح تحتها سكان قطاع غزة، وثقت عدسات شبكة CNN طفلًا فلسطينيًا صغيرًا وهو يتناول حفنة من التراب باكيًا أمام المصور، حاملاً في عينيه براءة الطفولة وحجم الألم الذي لا يوصف. هذه الصورة التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد لحظة عابرة، بل شهادة حية على مأساة إنسانية تتكرر منذ سنوات بلا رحمة.
غزة.. الأرض التي تحترق
يعيش في غزة أكثر من 2.1 مليون نسمة، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال الذين لم يعرفوا سوى صوت القصف والدمار. منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر 2023، سقط أكثر من 55 ألف قتيل، نصفهم من المدنيين، منهم أكثر من 17 ألف طفل بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. هذا الرقم المروع يروي فقط جزءًا من القصة، إذ يعاني الناجون من فقدان المأوى، والمواد الأساسية للحياة، والآلاف منهم يعانون جراحًا نفسية وجسدية يصعب شفاؤها.
في كلمات مؤثرة، تقول عائشة محمد، أم لطفلين من غزة:
“كل يوم أسمع صوت الانفجارات فوق رأسنا، وأرى أطفالي يبكون من الخوف والجوع. لا نملك ما نأكله ولا مكانًا نختبئ فيه. عندما رأيت ابني يتناول حفنة تراب باكيًا، شعرت أنني فقدت كل شيء.”
حين يصبح التراب غذاء الروح
الطفل الفلسطيني الذي تناول حفنة التراب، ليس وحيدًا في معاناته. آلاف الأطفال في غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء، المياه النظيفة، والدواء، نتيجة الحصار المتواصل وعمليات القصف المتكررة. مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (الأونروا) تحذر باستمرار من تزايد احتمال وقوع مجاعة من صنع البشر، وسط تقارير عن قتل المئات وهم يحاولون الحصول على المساعدات الإنسانية.
يؤكد سامي العطار، المصور الميداني لشبكة CNN في غزة، تفاصيل هذه اللحظة قائلاً:
“كان الطفل يجلس وسط الدمار، وفجأة أخذ حفنة تراب بين يديه وبكى. تلك اللحظة لم تكن مجرد مشهد عابر، بل تعبير عن الألم العميق الذي يعانيه الجميع هنا.”
الصمت الدولي وانشغال العالم
مع هيمنة النزاعات الكبرى في الشرق الأوسط، تبدو مأساة غزة وكأنها اختفت من الذاكرة الدولية. بينما تجري المحادثات حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، تستمر ألسنة اللهب في قطاع غزة، وترتفع أصوات الألم والعجز.
تصف د. إليزابيث هاربر، خبيرة حقوق الإنسان الدولية، الواقع قائلة:
“الوضع في غزة لا يقتصر على مأساة إنسانية فحسب، بل هو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. الحصار المستمر والضربات الجوية التي تستهدف المدنيين والنازحين تشكل جرائم حرب يجب أن تُحاسب عليها الجهات المسؤولة.”
الرهائن وألم الأسر
تتزامن هذه المأساة مع أزمة الرهائن المحتجزين لدى حركة “حماس” في القطاع. هناك أكثر من 50 رهينة محتجزون في غزة، منهم 20 لا يزالون على قيد الحياة حسب السلطات الإسرائيلية. عائلاتهم تعيش في قلق دائم، بين أمل اللقاء وخوف الفقدان، وسط صمت دولي غائب عن محنتهم.
هل من أمل؟
وسط الظلام الدامس، هناك دعوات متزايدة لتوسيع وقف إطلاق النار ليشمل غزة، ويأمل الفلسطينيون في نهاية قريبة للحرب التي تحولت إلى كابوس لا نهاية له.
يرى الدكتور سامر الزيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن:
“معاناة غزة ليست فقط أزمة إنسانية، بل هي انعكاس لفشل المجتمع الدولي في تطبيق حلول سياسية عادلة. الفلسطينيون في غزة يدفعون الثمن الأكبر لصراعات إقليمية معقدة، ولا يمكن تجاهل هذا الواقع أو الاستمرار في التغاضي عنه.”
نداء إلى العالم
هذه الصورة للطفل الذي تناول حفنة التراب ليست مجرد صورة مؤثرة، بل نداء إنساني صادق. نداء يدعو إلى التحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من أرواح، وإعادة الأمل إلى أرض غزة التي تذوب دموع أطفالها في صمت العالم.
وحدة التحقيقات – لندن – اليوم ميديا