
من قمة لاهاي للناتو
في قمة لاهاي الأخيرة، ظهر حلف شمال الأطلسي (الناتو) وكأنه يقف عند مفترق طرق استراتيجي، وسط تصاعد الخلافات العلنية بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن التهديدات الأمنية العالمية، ولا سيما روسيا والصين.
الأمين العام الجديد للناتو، مارك روته، واجه مهمة صعبة في الموازنة بين الرؤى المختلفة، لا سيما بعد أن اضطُر إلى استخدام نبرة تصالحية مبالغ بها تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضمان نتائج إيجابية لقمة التحالف. ومع أن روته نجح مؤقتًا في احتواء الانقسام، إلا أن البيان الختامي للقمة كان صامتًا بشكل لافت عن مفاهيم مثل “القانون الدولي” و”النظام العالمي القائم على القواعد”، وهي عبارات ظلت جزءًا أساسيًا من خطابات الناتو منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022.
ترامب، من جانبه، يقود تحولًا جذريًا في الاستراتيجية الأميركية، حيث يسعى لإنهاء الدعم العسكري لأوكرانيا وفتح قنوات تقارب مع روسيا من أجل التفرغ لمواجهة الصين، التي يراها التهديد الجوهري الأول للولايات المتحدة. في المقابل، ما تزال أوروبا متمسكة بسياسات الدعم المكثف لأوكرانيا، وتبدي توجسًا من التراخي الأميركي المتزايد في مواجهة موسكو.
من المؤشرات الواضحة على اتساع الهوة داخل الناتو، قرار وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، بعدم حضور اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية لأوكرانيا، فضلًا عن فشل واشنطن في تمرير مساعدات عسكرية جديدة لكييف منذ يناير الماضي.
كما شكّل اتفاق غالبية أعضاء الناتو على رفع إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 10 سنوات، دليلًا على قلقهم من الانكفاء الأميركي. هذا القرار – الذي كان مرفوضًا قبل سنوات – أصبح اليوم واقعًا مدفوعًا بتحولات كبرى في النظام العالمي، واستعدادًا لاحتمال تراجع الالتزام الأميركي في السنوات القادمة.
قراءة خلفية:
قمة لاهاي أوضحت أن التحالف الأطلسي لم يعد كتلة متماسكة كما في السابق، بل بات ساحة تفاوض متوتر بين مصالح اقتصادية أوروبية ورؤى جيوسياسية أميركية أكثر حدة. ويبدو أن عام 2025 سيكون حاسمًا في تحديد ما إذا كان الناتو سيبقى كما نعرفه، أم أنه يتجه نحو تشكل جديد يعكس عالمًا متعدد الأقطاب.
وحدة الأخبار – لندن – اليوم ميديا