
مسعود بزشكيان
في خطوة تصعيدية لافتة، صادق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان رسميًا على قانون أقرّه البرلمان لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، مما ينقل الملف النووي الإيراني إلى مرحلة غير مسبوقة من الغموض والتصعيد.
يأتي القرار في أعقاب الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، وأعقبته تصريحات حادة من طهران تنتقد ما وصفته بـ”ازدواجية المعايير” لدى الوكالة.
تحول استراتيجي أم رد فعل مؤقت؟
يرى محللون أن الخطوة الإيرانية ليست مجرد رد فعل على القصف، بل تحول استراتيجي نحو تقويض أحد أعمدة معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT).
ووفقًا لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، فإن هذا القرار يبعث برسالة مفادها أن الالتزام بالشفافية والتعاون الدولي لم يعد يوفر الحماية، بل ربما يجلب الخطر.
يقول جيفري لويس، مدير برنامج حظر الانتشار في معهد ميدلبري للدراسات الدولية:
“إيران تستغل اللحظة لتوسيع مجالها التفاوضي من خلال تقليص التعاون، لكنها تخاطر بإضعاف أحد أقوى أدواتها الدبلوماسية، وهو التزامها بالشفافية.”
المنظور الآسيوي: قلق من الانفلات النووي
أما في آسيا، فقد عبّر كيم يونغ-سو، أستاذ الدراسات النووية في جامعة هانكوك بكوريا الجنوبية، عن قلقه من تأثيرات القرار، معتبرًا أن:
“الانسحاب التدريجي من التزامات NPT يعطي ذريعة لدول آسيوية لإعادة التفكير في مواقفها من عدم التسلح النووي، خاصة مع تصاعد التوترات في المنطقة.”
ثلاث سيناريوهات محتملة:
- تصعيد نووي سريع
- بتسريع التخصيب إلى مستويات قريبة من 90%، وهي العتبة اللازمة لصناعة سلاح نووي.
- التقارير تشير إلى أن طهران خصّبت بالفعل 400 كغ من اليورانيوم بنسبة 60%.
- انسحاب كامل من NPT
- على غرار كوريا الشمالية، خصوصًا مع استناد إيران إلى المادة 60 من اتفاقية فيينا، التي تتيح تعليق الالتزامات في حال “الإخلال الجوهري”.
- توظيف القرار كورقة ضغط تفاوضي
- للعودة إلى المفاوضات بشروط أكثر توازنًا وضمانات أمنية لمنشآتها وعلمائها.
مخاوف الوكالة الذرية: فقدان القدرة على التحقق
حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، من أن فقدان الوصول إلى المنشآت النووية يهدد بتقويض المراقبة الدولية، ويفتح المجال أمام تخصيب سري.
وقال:
“نحن بحاجة ماسة لمراقبة المواقع المتضررة والتأكد من عدم وجود تسريبات أو نشاط غير معلن.”
ردود فعل أوروبية متباينة
بينما نددت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بالقرار الإيراني، رأى بعض المحللين الأوروبيين أن الضربات العسكرية كانت جزءًا من المشكلة.
قال الخبير الفرنسي دومينيك مويسيه:
“الضربات قد تُضعف القوى المعتدلة داخل إيران وتُقوي جناح التشدد، وكان من الأفضل التمسك بالدبلوماسية.”
النظام الدولي أمام اختبار وجودي
تمثل معاهدة عدم الانتشار حجر الأساس في نظام الأمن العالمي منذ 1968.
لكن انسحاب دول رئيسية أو تقليص التعاون معها، قد يدفع دولًا مثل السعودية وتركيا وكوريا الجنوبية لمراجعة سياساتها النووية، مما يهدد بسباق تسلح إقليمي أو عالمي.
خلاصة: شفافية تحت التهديد
بينما تؤكد طهران أن قرارها قانوني ويهدف لحماية السيادة الوطنية، إلا أن تداعياته تمتد إلى النظام الدولي كله.
الخطر الآن أن يظن الآخرون أن الالتزام بالشفافية يُعاقَب عليه، لا يُكافَأ.
وكما يقول المحلل البريطاني د. ألكسندر وينتر:
“الدبلوماسية لا تزال القناة الوحيدة لتجنب الانزلاق إلى مستقبل نووي فوضوي، حيث تُقوَّض كل آليات الردع والرقابة الدولية.”
د. ألكسندر وينتر – محلل شؤون الشرق الأوسط | لندن – اليوم ميديا