
مستوطنون يشعلون النار في مركبة فلسطينية في قرية مالك الأسبوع الماضي
منذ عقود، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية تحت وطأة اعتداءات يومية يشنها مستوطنون إسرائيليون، تتنوع بين نهب الأراضي، إحراق الممتلكات، والاعتداءات الجسدية، مرورًا بجرائم قتل مروّعة على غرار الجريمة التي هزت العالم في قرية دوما بنابلس عام 2015، عندما أضرم مستوطنون النار في منزل عائلة دوابشة، فراح ضحيتها أطفال ورضع.
رغم هذا السجل الدموي، لم تُقدِم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على اتخاذ خطوات جادة للحد من “إرهاب المستوطنين”، المعروف في الأوساط الأمنية العبرية باسم “الإرهاب اليهودي”، والذي توجد وحدة خاصة لمكافحته داخل جهاز الأمن العام “الشاباك”.

لكنّ التحرك الإسرائيلي الأخير نحو تشكيل قوة مهام مشتركة لم يكن بدافع حماية الفلسطينيين، بل جاء تحت ضغط العقوبات الدولية، وعلى خلفية تصعيد خطير بين المستوطنين أنفسهم وبين قوات الجيش والشرطة.
قوة مهام ضد المستوطنين.. لا لأجل الفلسطينيين
أعلنت الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع عن تشكيل قوة مهام خاصة جديدة تُعنى بمواجهة تنظيمات المستوطنين المتطرفين، وعلى رأسها تنظيم “شبيبة التلال”، أحد أخطر التنظيمات اليهودية الناشطة في الضفة الغربية.

اللافت أن هذه الخطوة لم تأتِ ردًّا على جرائم التنظيم ضد الفلسطينيين، بل بسبب صدامات عنيفة اندلعت مؤخرًا بين عناصر التنظيم المتطرف وبين قوات الجيش والشرطة، في مشاهد وُصفت بأنها “تمرد يهودي” داخل أراضي الضفة الغربية.
القوة الجديدة ستكون بقيادة قائد منطقة السامرة العميد آفي كوهين، وبتنسيق مباشر مع جهاز “الشاباك” والجيش الإسرائيلي، وستتولى مهام منع أعمال العنف ضد قوات الأمن، وتفكيك البنى التنظيمية للمتطرفين اليهود.
ملامح وتكوين قوة المهام الجديدة
تتكون القوة من أربعة أذرع رئيسية:
1. ذراع التحقيقات: لتوثيق الجرائم والتحقيق مع عناصر التنظيمات المتطرفة.
2. ذراع الاستخبارات: لرصد تحركات النشطاء المتطرفين ومراقبة الشبكات الداعمة لهم.
3. الذراع التنفيذية والعمليات الخاصة: للتدخل الميداني السريع وتوقيف المتورطين.
4. ذراع التواصل مع المستوطنين: لمحاولة تهدئة الاحتقان داخل الأوساط الاستيطانية.
إلى جانب ذلك، ستُزود القوة بعشرات الجنود من وحدة حرس الحدود، سيتدخلون فورًا وفي أي وقت دون الرجوع إلى قيادة الجبهة المركزية، وهو ما يعكس حجم التهديد الأمني الذي تمثله هذه التنظيمات على الدولة العبرية نفسها.
خلفية الصدام: مستوطنون ضد الجيش والشرطة
خلال الأيام الأخيرة، وقعت سلسلة اعتداءات دموية شنّها مستوطنون على قرى فلسطينية، أسفرت عن مقتل 3 فلسطينيين، وإحراق منازل ومركبات، ما استدعى تدخل قوات الأمن.

لكن المفاجأة كانت في تحول المواجهات من الفلسطينيين إلى اشتباكات مباشرة بين عناصر “شبيبة التلال” وبين قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية، لا سيما في مستوطنة “بعل حتسور”، حيث اضطرت الشرطة لإطلاق النار بعد رشقها بالحجارة، ما أدى لإصابة مستوطن يبلغ 14 عامًا.
في المقابل، صعّد المستوطنون من هجماتهم، فأحرقوا مركز شرطة في “بيت إيل”، وموقع اتصالات عسكري، وأشعلوا النار في مركبة تابعة للشرطة، بل وحاولوا اقتحام قاعدة لواء بنيامين العسكرية، في مشهد غير مسبوق من التمرد المسلح داخل الضفة.
العقوبات الدولية هي المحرك الحقيقي
الخطوة الإسرائيلية لم تأتِ من فراغ، بل سبقتها عقوبات أوروبية وأمريكية متصاعدة ضد التنظيمات اليهودية المتطرفة، وعلى رأسها “شبيبة التلال”.
• في مايو 2024: أعلنت بريطانيا عن فرض عقوبات مباشرة على التنظيم.
• في أغسطس وأكتوبر 2024: وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على قادة التنظيم، شملت تجميد حسابات مصرفية ومنع التعامل معهم.
الولايات المتحدة وصفت عنف المستوطنين بأنه “يزرع الفوضى، ويقوض الأمن الإسرائيلي، ويدمر فرص السلام”، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بـ”محاسبة الجناة والكيانات الضالعة في العنف ضد المدنيين”.
اليمين الإسرائيلي يحاول الالتفاف
ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2025، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدفع من وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير، إلى إلغاء العقوبات الأمريكية ضد المستوطنين، في مسعى لكسب دعم قاعدته اليمينية في الضفة.

بن غفير، المعروف بتوفير الغطاء السياسي لتنظيمات المستوطنين، مارس ضغوطًا كبيرة لتقويض أي خطوات ضد المتطرفين، إلا أن الحوادث الأخيرة أجبرت المؤسسة الأمنية على التحرك، لكن فقط عندما أصبح العنف يهدد مؤسسات الدولة نفسها.
السؤال المفتوح: حماية الدولة أم العدالة؟
رغم أن إسرائيل بادرت أخيرًا بتشكيل قوة رسمية للتعامل مع إرهاب المستوطنين، إلا أن الخطوة تبدو موجهة لحماية أجهزتها الأمنية لا ردع الجرائم ضد الفلسطينيين، ما يطرح تساؤلات مشروعة:
هل سيكون لهذه القوة تأثير حقيقي على الأرض؟
وهل هي محاولة لامتصاص الضغوط الدولية فقط؟
أم أنها بداية انقسام حقيقي داخل المجتمع الإسرائيلي بين دولة المؤسسات و”دولة المستوطنين”؟
ربيع يحيي – لندن – اليوم ميديا