image

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مبادرة غير مسبوقة أطلقها عدد من شيوخ الخليل، وعلى رأسهم الشيخ وديع الجعبري، المعروف بـ”أبو سند”.

وتضمنت المبادرة اقتراحًا بانفصال محافظة الخليل عن السلطة الفلسطينية، وتأسيس “إمارة الخليل“، ككيان محلي مستقل يسعى إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، ويعترف بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.

الرسالة، التي وُجّهت إلى وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، تضمنت التزامًا بالسلام والتعاون الكامل، واقتراحًا بجدولة مفاوضات تؤدي إلى شراكة اقتصادية وأمنية. كما اقترحت المبادرة إدخال آلاف العمال من الخليل إلى إسرائيل ضمن مراحل تصاعدية تبدأ بـ1000 عامل، وتصل إلى 50 ألفًا، إلى جانب إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة بين الجانبين.

ترحيب إسرائيلي مشروط وتحفّظ من نتنياهو

الوزير الإسرائيلي نير بركات، الذي استضاف الجعبري وشيوخًا آخرين في منزله أكثر من مرة منذ فبراير الماضي، وصف المبادرة بأنها “تعبير صادق عن رغبة حقيقية في السلام”، مؤكدًا أن “السلطة الفلسطينية فقدت ثقة الفلسطينيين، كما فقدت شرعيتها لدى الإسرائيليين”.

في المقابل، نقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيلي رفيع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبدى دعمًا مشروطًا للفكرة، لكنه “ينتظر رؤية كيفية تطورها ومدى صدقيتها شعبيًا وسياسيًا”، خصوصًا في ظل الانقسامات الفلسطينية الحادة.

محللون غربيون: مبادرة جريئة أم قنبلة سياسية؟

انقسمت آراء المحللين الغربيين حول جدوى المبادرة وتداعياتها. بعضهم رأى أنها قد تمثل بداية حل “واقعي” ينطلق من الواقع العشائري والمجتمعي داخل الضفة الغربية، فيما حذّر آخرون من أنها قد تُستخدم كأداة لتفكيك ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني.

الباحث الإسرائيلي مردخاي كيدار من جامعة بار إيلان، اعتبر أن الحل العشائري هو “المفتاح الوحيد للسلام الحقيقي”، داعيًا إلى دعم كيانات محلية مثل “إمارة الخليل” بدلًا من انتظار مفاوضات شاملة لا تتحرك.

في المقابل، وصف الصحفي أهاد هيّمو المبادرة بأنها “بروباغندا متقنة”، مشيرًا إلى أن الموقعين على الرسالة “لا يمثلون الشارع الفلسطيني، ولا يملكون شرعية شعبية”، وأن المبادرة “تحاول تسويق نموذج يخدم مصالح الاحتلال أكثر من مصالح الفلسطينيين”.

تحذير من تحويل الضفة إلى كانتونات

من بين أبرز الانتقادات التي وُجهت للمقترح أنه يعزز فكرة “الكانتونات” أو “البنتوستانات”، حيث تُقسّم الأراضي الفلسطينية إلى جزر سياسية واقتصادية منفصلة، تُدار محليًا دون سيادة حقيقية، وتكون مرتبطة اقتصاديًا وأمنيًا بإسرائيل، ما يفرغ فكرة الدولة الفلسطينية من مضمونها.

ويرى محللون غربيون أن المبادرة، حتى وإن نجحت جزئيًا، قد تشكل سابقة خطيرة تهدد وحدة الأرض والقرار الفلسطيني، وتفتح الباب أمام صراعات محلية بين العشائر والفصائل، في ظل غياب مشروع وطني جامع.

هل تمهّد “إمارة الخليل” لمشهد سياسي جديد؟

في ظل تآكل السلطة الفلسطينية، وتصاعد التنسيق الإقليمي عبر الاتفاقيات الإبراهيمية، وغياب أفق حقيقي للمفاوضات، قد تبدو مبادرة “إمارة الخليل” محاولة لصناعة واقع بديل خارج مظلة أوسلو، وداخل توازنات إقليمية متغيرة.

لكن السؤال الأبرز يبقى: هل تمتلك هذه المبادرة قاعدة جماهيرية تكفي لإنجاحها؟ أم أنها مجرد بالون اختبار ضمن خطة أوسع لتفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية وتحويل القضية إلى قضايا “محلية” تُدار من القاع لا من القمة؟

لندن – اليوم ميديا