image

ترامب ونتنياهو

على الرغم من التنسيق المتزايد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، خصوصًا بعد تدخل الإدارة الأميركية المباشر في الحرب الإسرائيلية ضد إيران، إلا أن التفاهم بينهما يشوبه تباين واضح في ترتيب الأولويات والاستراتيجيات. إذ يركز نتنياهو على توجيه ضربة قاصمة لإيران، وجر الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة معه، بينما يتخوف ترامب من تداعيات هذا الصراع على فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية، ويعمل في الوقت نفسه على تهدئة التوترات من خلال تحقيق إنجازات دبلوماسية في الشرق الأوسط.

ترامب يراهن على السعودية لإنجاح “صفقة التطبيع الكبرى”

يعتبر ترامب أن إنهاء الحرب في غزة يمثل المفتاح الأساسي لتحقيق أهدافه الإقليمية الأوسع، وعلى رأسها ما يسميه “الجائزة الكبرى”، وهي تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ضمن إطار اتفاقات أبراهام التي رعاها خلال ولايته الأولى. ويؤمن البيت الأبيض أن هذا التطبيع سيفتح الباب أمام انضمام دول عربية وإسلامية أخرى إلى التحالف، ما يعزز الاستقرار الإقليمي ويقلل من التوترات.

مع ذلك، تشدد الرياض على ضرورة وقف الحرب في غزة قبل المضي قدمًا بأي خطوة تطبيعية، ما يجعل اتفاق وقف إطلاق النار حجر الزاوية في أجندة البيت الأبيض، إذ لا يمكن تحقيق السلام الدائم بدون وضع حد للصراع الحالي. ويعمل فريق ترامب على الضغط على إسرائيل لقبول تهدئة مؤقتة، رغم المعارضة الشديدة من أحزاب اليمين الإسرائيلي التي تعتبر ذلك تراجعًا.

تطبيع سوري محتمل: هل يلوح في الأفق انفراج في العلاقات؟

شهدت الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية غير مسبوقة، إذ التقى ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض خلال مايو 2025، فيما تبعه قرار واشنطن بشطب هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) من قائمة التنظيمات الإرهابية، ما يمهد الطريق لتقارير تتحدث عن لقاء محتمل بين نتنياهو والشرع في سبتمبر 2025 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويُتوقع أن يتم اللقاء برعاية أميركية، بهدف توقيع اتفاق أمني وتسريع عملية التطبيع تدريجيًا بين إسرائيل وسوريا، ما قد يعيد تشكيل خارطة التحالفات في المنطقة وينهي حالة العداء المستمرة منذ عقود.

هذا التطور يعكس رغبة أميركية إسرائيلية في توسيع دائرة الاستقرار وتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، ويأتي في سياق جهود ترامب لبناء تحالفات جديدة قائمة على المصالح المشتركة، رغم العقبات السياسية والأمنية التي تحيط بالملف السوري.

نتنياهو بين الضغط الأميركي ومتطلبات اليمين الإسرائيلي

يواجه نتنياهو معادلة سياسية معقدة داخل إسرائيل وخارجها، حيث يمارس عليه ضغط كبير من واشنطن لوقف إطلاق النار في غزة والسعي نحو التهدئة، بينما تواجه حكومته ضغوطًا متزايدة من أحزاب اليمين المتطرف داخل ائتلافه، التي ترى في أي اتفاق تهدئة استسلامًا لحماس، وهو موقف قد يؤدي إلى تفكك الحكومة إذا استمرّت تلك الأحزاب في التهديد بالانسحاب.

ورغم هذه الضغوط الداخلية، لا يمكن لنتنياهو تجاهل الدعم الأميركي القوي، خصوصًا مع مشاركة واشنطن في قصف المنشآت النووية الإيرانية والتدخل في الملفات القضائية التي تحيط به، ما يمنحه سلطة مؤثرة في صياغة القرار السياسي الإسرائيلي. وتتسم العلاقة بين نتنياهو وترامب بتوازن دقيق، حيث يعتمد الأول على الدعم الأميركي لتقوية موقفه الداخلي، بينما يسعى ترامب إلى السيطرة على مجريات الحرب وضبط أولويات السياسة الإقليمية.

نتائج التغيرات الإقليمية وتطلعات نتنياهو للسلام الشامل

بات نتنياهو في موقع أقوى داخليًا، لا سيما بعد العدوان الأخير على إيران والتغيرات الإقليمية التي أضعفت حزب الله اللبناني وساهمت في سقوط نظام الأسد في سوريا، ما أعطى إسرائيل مساحة أكبر لتعزيز سيطرتها في المنطقة.

يرى نتنياهو أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يشكل فرصة لتوسيع اتفاقات أبراهام لتشمل دولًا محورية مثل السعودية، حيث يرى أن السلام الإقليمي ممكن بقيادة ترامب. وفي لقائه مع ترامب، أكد نتنياهو ثقته في إمكانية تحقيق سلام شامل بين إسرائيل وجيرانها في الشرق الأوسط، معتبرًا أن سوريا “ستجني الكثير” إذا مضت في طريق التطبيع.

ورغم تضاعف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية واحتلال مناطق جديدة، يظل مبدأ تحقيق السلام عبر القوة والإملاءات هو البوصلة التي توجه سياسات نتنياهو، وهو ما يثير جدلاً واسعًا ويزيد من التوترات الإقليمية، إذ يعتبر البعض أن السلام المتوقع قد يتحول إلى مكافأة لإسرائيل على جرائمها في فلسطين واعتداءاتها المتكررة على سوريا ولبنان.

تحذير المبعوث الأميركي توم براك: لبنان في مفترق طرق حاسم

في سياق موازٍ، حذر المبعوث الأميركي الخاص توم براك من أن لبنان يواجه خطر الوقوع تحت سيطرة قوى إقليمية متصارعة، لا سيما إيران وسوريا وإسرائيل، ما لم تتحرك بيروت بشكل جدي لحل قضية مخزونات حزب الله من الأسلحة.

وأكد براك، الذي يشغل منصب السفير الأميركي في تركيا، في مقابلة مع صحيفة “ذا ناشيونال”، أن لبنان قد يواجه تهديدًا وجوديًا إذا لم تُعالج هذه القضية الحاسمة. وأوضح أن الوضع في المنطقة يشهد تحولات سريعة، وأن لبنان معرض لأن يصبح “بلاد الشام” مرة أخرى، في إشارة إلى النفوذ المتزايد لطهران ودمشق وإسرائيل في المنطقة.

هذا التحذير يعكس المخاوف الأميركية من تحول لبنان إلى ساحة صراع مفتوح بين القوى الإقليمية، ما قد يهدد استقرار الشرق الأوسط بأكمله.

لندن – اليوم ميديا