
من السويداء
في تحول غير مسبوق، كشفت مصادر تركية لوسائل إعلام غربية أن الحكومة السورية المؤقتة طلبت دعمًا عسكريًا مباشرًا من أنقرة، في ظل تصاعد الاضطرابات الطائفية جنوب البلاد، وتحديدًا في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وسط تزايد القصف الإسرائيلي الذي استهدف مواقع عسكرية حساسة، بما في ذلك مقر وزارة الدفاع في دمشق.
الطلب السوري الذي وصفته صحيفة فايننشال تايمز بأنه “نقطة تحول استراتيجية”، شمل توفير تدريبات واستشارات عسكرية ومساعدات فنية في مواجهة ما وصف بـ”المنظمات الإرهابية”، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، لكن توقيته وتركيبته تعكس قلقًا أعمق من انهيار داخلي قادم.
السويداء تشتعل: حرب هوية أم تفكيك نهائي؟
اندلعت اشتباكات عنيفة الأسبوع الماضي بين ميليشيات درزية وقبائل عربية بدوية في السويداء، ما أثار مخاوف من انزلاق البلاد إلى صراع طائفي جديد. وتزامن ذلك مع هجمات إسرائيلية غير معتادة استهدفت قوافل عسكرية للنظام السوري في الجنوب، ووصفتها تل أبيب بأنها “إجراءات وقائية لحماية الطائفة الدرزية”.
المحلل في مركز ستراتفور الأميركي، إيريك براون، رأى أن ما يحدث في السويداء هو “حرب هويات”، وليس مجرد اضطراب أمني، قائلاً: “عندما تصبح الدولة المركزية ضعيفة لدرجة الاستنجاد بخصوم الأمس، فإنك أمام انهيار للسيادة، لا مجرد طلب مساعدة”.
تركيا تدخل من بوابة الفراغ
أنقرة، التي لطالما لعبت دور الحامي غير المعلن للمعارضة السورية، تجد نفسها اليوم أمام فرصة استراتيجية لإعادة تثبيت نفوذها عبر الجنوب السوري، خاصة بعد فشل موسكو في احتواء التصعيد هناك، وانشغال إيران بتداعيات صراعها مع إسرائيل.
وأكد مسؤول تركي رفيع لصحيفة دير شبيغل الألمانية أن أنقرة “مستعدة لتوسيع نطاق دعمها للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في حال استمرار الفوضى في السويداء”، في إشارة ضمنية لاحتمال تحرك عسكري محدود بدعوى حماية الاستقرار.
إسرائيل تراقب.. وتتدخل
من جهة أخرى، صعّدت إسرائيل بشكل واضح من عملياتها العسكرية في الداخل السوري، عبر استهداف منشآت ومقرات سيادية. وعلى الرغم من إعلان المبعوث الأميركي توم باراك عن “هدنة مؤقتة بوساطة أميركية” بين دمشق وتل أبيب، فإن الأوساط الغربية تشكك في صمود هذا الترتيب، في ظل غياب أي اتفاق استراتيجي أوسع.
الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، سارة فوير، ربطت بين تكثيف الضربات وبين “استراتيجية إسرائيل لعزل إيران عبر تفكيك البيئة المؤيدة لها داخل سوريا”، مؤكدة أن “السويداء اليوم باتت نقطة تقاطع مصالح بين إسرائيل وتركيا بشكل غير مباشر”.
ما بعد النداء السوري: ثلاث سيناريوهات
- تعزيز الدعم التركي بشكل متسارع، مما قد يؤدي إلى انخراط مباشر في إدارة الملف الأمني جنوب سوريا، وربما بناء مناطق نفوذ جديدة خارج إدلب.
- رد فعل إيراني غاضب عبر الحشد لمواجهة “التمدد التركي-الإسرائيلي” في الخاصرة السورية، ما قد يفجر اشتباكًا أكبر في المنطقة.
- انفجار طائفي واسع في حال فشلت محاولات التهدئة، خصوصًا مع تزايد خطاب الكراهية بين المكونات العرقية والطائفية في الجنوب.
خلاصة تحليلية: هل سقط المحور الإيراني في الجنوب؟
طلب سوريا للمساعدة من تركيا ليس مجرد تكتيك عسكري، بل إشارة إلى تبدل موازين القوى في الجنوب، وتراجع الحضور الإيراني الذي لطالما كان الضامن الأول للنفوذ في تلك المناطق. هذا التحول قد يمثل فرصة نادرة لأنقرة لإعادة التموضع، لكنه أيضًا ينذر بانفجار متعدد الأبعاد: طائفي، إقليمي، وربما دولي.
ففي لحظة سياسية مشتعلة، حين تصمت العواصم وتتكلم البنادق، تبدو سوريا أمام اختبار جديد: إما الانفجار… أو إعادة تشكيل التحالفات من الصفر.
لندن – اليوم ميديا