أين تستثمر دول الخليج تريليوناتها؟ نظرة شاملة على القطاعات والأسواق

تشهد صناديق الثروة السيادية الخليجية تحولات استراتيجية هامة في توجهاتها الاستثمارية، مع تركيز متزايد على آسيا والأسواق الناشئة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات المحلية التي تدعم خطط التنويع الاقتصادي الطموحة. نستعرض في هذا التقرير أبرز مناطق الاستثمار والقطاعات التي تستحوذ على اهتمام أكبر صناديق الخليج، مع تحليل للعوامل المؤثرة والتحديات المستقبلية.

التركيز الجغرافي: آسيا وأفريقيا والأسواق الغربية

آسيا: نقطة جذب رئيسية للاستثمارات الخليجية

تتجه صناديق الثروة السيادية الخليجية بشكل متزايد نحو آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، حيث توسع مكاتبها الاستثمارية وزادت مخصصاتها للأسواق عالية النمو مثل الصين والهند وجنوب شرق آسيا. استثمرت الصناديق ما يقارب 9.5 مليار دولار في الصين خلال العام المنتهي في سبتمبر 2024، مع تبوء جهاز أبوظبي للاستثمار ومبادلة مراكز بارزة بين كبار المستثمرين في الشركات الصينية المدرجة.

أفريقيا: فرص عالية المخاطر في قطاع التعدين

تُظهر الإمارات والسعودية اهتمامًا متزايدًا بقطاع التعدين في أفريقيا، من خلال استثمارات مباشرة أو عبر حصص في شركات تعدين متعددة الجنسيات، رغم المخاطر المرتفعة في بعض المشاريع.

الأسواق الغربية: استمرار الاستثمارات الاستراتيجية

رغم التركيز على آسيا، تظل أمريكا الشمالية وأوروبا عناصر مهمة في محافظ صناديق الخليج، حيث استثمرت في 2022 ما يزيد عن 51.6 مليار دولار في تلك الأسواق، مثل استحواذ مبادلة على حصص في شركات بريطانية وأمريكية بارزة كأستون مارتن وسيتي فايبر.

قطاعات الاستثمار الرئيسية

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: مستقبل الاستثمار الخليجي

يُعد الذكاء الاصطناعي محور التنويع الاستثماري، مع استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، البنية التحتية، وجذب المواهب. من أبرز المبادرات شراكة جهاز أبوظبي للاستثمار مع “إس سي كابيتال بارتنرز” لاستثمارات مراكز البيانات، إضافة إلى إنشاء مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي. كما أطلقت مبادلة وجي 42 إم جي إكس صندوقًا بقيمة 100 مليار دولار يركز على تقنيات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
وفي السعودية، تخطط شركة “ألات” لاستثمار 100 مليار دولار لتعزيز القدرات التقنية بحلول 2030.
كذلك، استثمر جهاز قطر في جولات تمويل لشركات متخصصة في أشباه الموصلات والبيانات.

الرياضة: استثمار اقتصادي وثقافي

تهدف صناديق الخليج إلى تطوير البنية التحتية الرياضية لتعزيز النمو الاقتصادي والسياحة، من خلال استحواذات استراتيجية على أندية ومنصات رياضية عالمية. يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصصًا في أندية الدوري السعودي، بينما تستحوذ قطر للاستثمارات الرياضية على نادي باريس سان جيرمان وحصص في فعاليات رياضية وترفيهية عالمية. كما يملك الصندوق السعودي حصة 80% في نيوكاسل يونايتد وأنشأ “ليف جولف”.

الطاقة المتجددة: نحو اقتصاد أخضر ومستدام

تماشيًا مع أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، تستثمر صناديق الخليج بكثافة في مشاريع الطاقة النظيفة. يستهدف صندوق الاستثمارات العامة تطوير 70% من مزيج الطاقة المتجددة في السعودية بحلول 2030، مع تخصيص أكثر من 10 مليارات دولار لمشاريع خضراء حتى 2026.
أعلن جهاز قطر وقف الاستثمارات الهيدروكربونية الجديدة، فيما افتتحت “مصدر” في أبوظبي أكبر محطة طاقة شمسية في موقع واحد عالميًا.

رأس المال الاستثماري: دعم الابتكار وريادة الأعمال

تلعب صناديق الثروة السيادية دورًا متزايدًا في تمويل الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المالية، الرعاية الصحية، الذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة. السعودية والإمارات تشكلان أكثر من 90% من حجم صفقات رأس المال المغامر في المنطقة.
استثمرت “سنابل” السعودية في شركات ذكاء اصطناعي في الولايات المتحدة، فيما استحوذت مبادلة على شركات تكنولوجيا حيوية، وجهاز قطر شارك في جولات تمويل شركات تقنيات الذكاء الاصطناعي.

قطاعات أخرى: تنويع مستدام

تضم الاستثمارات الخليجية أيضًا مجالات البنية التحتية، التمويل الإسلامي، النقل، الاتصالات، التعليم، والبناء والعقارات، مع استثمارات في شركات عالمية مثل نينتندو وأمازون وألفابت.

الاستثمارات المحلية: دعم رؤى 2030 الوطنية

يُخصص جزء كبير من أصول صناديق الثروة لدعم مشاريع التنويع الاقتصادي المحلي مثل “نيوم” ومشروع السياحة في البحر الأحمر والقدية في السعودية، ضمن رؤى 2030 لكل من السعودية، الإمارات، وقطر.

أدوات واستراتيجيات جديدة: المكاتب الملكية الخاصة

برزت “المكاتب الملكية الخاصة” كأدوات استثمارية جديدة، مع أصول تُقدر بنحو 500 مليار دولار، تعكس المشهد الاستثماري المتطور والصراع على جذب الفرص الاستثمارية الكبرى.

حوكمة وتحديات: التوازن بين السيطرة والأداء

رغم التدقيق في هيكلة الحوكمة وخاصة تأثير ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على قرارات الاستثمار، تسعى صناديق الثروة لزيادة نسبة الأصول الدولية من 10% إلى 50% بحلول 2030. تواجه هذه الصناديق أيضًا تحديات في المنافسة على الكفاءات، إدارة المخاطر، وتحقيق عوائد أفضل في ظل تقلبات جيوسياسية وأسعار السلع.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى