السر الخفي لنيكسون والقنبلة النووية الإسرائيلية منذ 1969

لم تؤكد إسرائيل أو تنفي رسميًا امتلاكها أسلحة نووية، ولم توقع أبدًا على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وحتى مع ظهور أدلة حول قدراتها النووية، حافظت الدولة العبرية على سياسة الغموض النووي التي مكنت من إبقاء برنامجها بعيدًا عن الأنظار الدولية.

ويعود أصل هذا التعتيم إلى صفقة سرية عام 1969 بين رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في البيت الأبيض. وأوضح أفنير كوهين، أستاذ دراسات عدم الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية بمونتيري، أن التفاهم بين الطرفين منح إسرائيل حالة خاصة كدولة حائزة للأسلحة النووية، مقابل الالتزام بضبط النفس بعدم إجراء اختبارات علنية وعدم إدخال الأسلحة النووية إلى المنطقة أولًا.

كوهين، مؤلف كتاب إسرائيل والقنبلة، قال إن الصفقة تفسر موقف الولايات المتحدة في تجاهل البرنامج النووي الإسرائيلي على مدى أكثر من 50 عامًا، ولماذا فضلت الدول الغربية، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، عدم إثارة القضية علنياً.

مذكرة الأمن القومي 40 وأدوار كيسنجر ونيكسون

في 11 أبريل 1969، أصدر مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر مذكرة دراسة الأمن القومي رقم 40 بأمر من الرئيس نيكسون، لتقييم برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي ومسارات الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

كان الهدف من الدراسة حماية التوازن الإقليمي ومنع الكشف العلني عن قدرات إسرائيل النووية، بما يقلل من احتمال نقل الأسرار النووية إلى السوفييت أو إثارة صراع عالمي أوسع نطاقًا.

تابع كيسنجر تنفيذ الخطة بإرسال مذكرة مفصلة إلى الرئيس نيكسون تضمنت تقييمًا لبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي، استنادًا إلى إجماع تقارير الوزارات ومداولات المستويات العليا من الدولة والدفاع وهيئة الأركان المشتركة.

وأشار كيسنجر إلى أن القضية الأكثر إلحاحًا لم تكن منع إسرائيل من امتلاك أسلحة نووية، بل منع تحول هذا البرنامج إلى حقيقة دولية معلنة. وأكد أنه ليس من الصواب أن تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل وقف إنتاج الصواريخ، إذ يعد ذلك حقًا سياديًا للدولة العبرية.

السياسة الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإسرائيلي

شدد كيسنجر على ضرورة التوصل إلى تفاهم ثنائي مع إسرائيل حول نواياها النووية، مع تفسير معنى الالتزام بعدم الإدخال أو الاستخدام الأول للأسلحة النووية في المنطقة، بما في ذلك صواريخ “أريحا” أو أي صواريخ استراتيجية أخرى ذات قدرة نووية.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تحاول اختبار إسرائيل أولًا حول مدى استعدادها لمناقشة برنامجها النووي قبل اتخاذ أي خطوات علنية بشأن حجب الإمدادات العسكرية. ولفت كيسنجر إلى أن العقبات السياسية كبيرة، إذ سيكون من الصعب تبرير حجب الأسلحة أو الطائرات دون إثبات أن الهدف هو الحفاظ على توازن القوى وضمان السلام في الشرق الأوسط.

استراتيجية الحجب والضغط السياسي

أوصى كيسنجر بأن تلعب الولايات المتحدة ورقة الحجب العسكري بشكل محسوب لضمان التزام إسرائيل بعدم الإعلان عن امتلاكها للأسلحة النووية، مع إبقاء قرار شحنات الأسلحة بيد الرئيس نيكسون، مع مراعاة توازن القوى في المنطقة وأهمية السلام الإقليمي.

وأشار كيسنجر إلى أن الموقف الأمريكي يجب أن يكون متسقًا بحيث لا تضطر الإدارة إلى إما إلغاء الحجب أو إعلان امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، وهو الوضع الذي فضل نيكسون وكيسنجر تجنبه للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

تداعيات الغموض النووي الإسرائيلي

بقي البرنامج النووي الإسرائيلي طي السرية لأكثر من 50 عامًا، ما أتاح للولايات المتحدة والحلفاء الغربيين تجاهل القضية رسميًا، مع الحفاظ على توازن القوى الإقليمي. ويظل الغموض جزءًا من الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية لضمان عدم انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، والحفاظ على استقرار سياسي نسبي، ومنع أي أزمة دولية كبرى قد تنشأ من إعلان إسرائيل عن برنامجها النووي علنًا.

كما يوضح هذا التحليل لماذا لم تفتح إسرائيل أبدًا النقاش الرسمي حول برنامجها النووي، ولماذا تقرر الولايات المتحدة التزام الصمت الرسمي، ولماذا اختارت الدول الغربية، خاصة في الغرب، عدم التركيز على هذه القضية الحساسة، ما يعكس توازنًا دقيقًا بين الأمن الإقليمي والمصالح الدولية.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى