سويسرا.. وتخوفات الإسلاميين من خذلان البرهان

صلاح شعيب

ضجت الأسافير ضجّاً عظيماً بسبب اللقاء المفاجئ بين البرهان وبولس، وبعدها صرنا كل يوم نسمع القليل من تسريبات محتوى ما توصل إليه الرجلان. وفي ظل غياب المعلومات الأكيدة حول ما جرى بينهما، سهر المحللون والكتاب المؤيدون لطرفي الحرب على إنتاج التكهنات المثيرة للتفكير. ومع ذلك، ساهموا في تعميق فجوة المعرفة بما توصل إليه الطرفان أكثر من الإمساك بحقائق ما تمخض عن جلوسهما معاً.

والغريب أن بورتسودان حجبت حقائق اللقاء حتى اللحظة، ولاذت بالصمت المريب بعد تسريب الخبر. إذ لم يشأ البرهان، أو المتحدث باسم الجيش، أو وزير الثقافة والإعلام المكمّم الصوت، تنوير الشعب السوداني بما جاء في الاجتماع المهم، وتبيين نقاط الاتفاق أو الخلاف بين المسؤولين الأميركي والسوداني.

الجانب المتصل بإدارة ترمب لاذ أيضاً بالصمت، ولم تسفر متابعتنا لوسائل الإعلام الأميركية عن ذكر تفاصيل نتائج لقاء البرهان وبولس. والحقيقة أن تأويل اللقاء بناءً على ما جرى من أحداث هذا الأسبوع التي تتصل بالشأن السوداني ربما يساعد في الاقتراب من بعض المعاني للاتفاق أو الاختلاف بين الطرفين بعد انتهاء اجتماع سويسرا.

القضية المهمة التي يمكن الخروج بها من سيناريو فكرة الاجتماع هي أن البرهان بقي العنصر المهم في معادلة إيقاف الحرب أو استمرارها. لكن هذه الخطوة تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة لاتخاذ المواقف، والإعداد لتبعاتها، متى ما واجهته المعارضة هنا وهناك من حلفائه.

أبان مقالنا السابق أن البرهان ما يزال لاعباً مهماً في تسعير نار الحرب أو خفضها، وأنه إذا ضمن الخلاص من دور الإسلاميين في الحرب، فإنه سيخلق انفراجاً في الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار أنه حاول صنع السلام من خلال اتفاقي جدة والمنامة، اللذين تراجعا عنهما بعد تهديد الإسلاميين لوجوده في المنصب وحياته.

وجاء اللقاء الأخير في سويسرا، وما أثاره من جدل، ليؤكد إمكانية أن يقوم قائد الجيش بخطوات مهمة لإنهاء الحرب، ما دام هو ممسكاً ظاهرياً بأمرة الجيش والبلاد التي يسيطر عليها، والميدان الذي من خلاله يتعامل مع الدعم السريع.

ومما ظهر من كتابات وآراء إسلاميين، واستطرادات غير رسمية، استبطن التشكيك في خطوة البرهان وتهديدات بين السطور، يدل على أن مهمة البرهان في تطبيق ما اتفق عليه مع الأميركيين ستتصعب إذا خالفت الرغبة الأساسية لمشعلي الحرب الذين ناصروا استمرارها.

خلافاً لما يرى محللون سودانيون بأن الولايات المتحدة تركت أمر الحرب لحلفائها، فإن الثابت أن لديها العديد من الأسباب لتأكيد تأثيرها على المشهد السوداني، حتى لو تباينت رؤاها مع حلفائها. ومن يعرف أميركا جيداً، يدرك أن مصلحتها هي الأغلب، بينما تضع مصالح حلفائها في الحد الأدنى. ولولا ذلك لما فرضت أجندتها في اتفاقية السلام الشامل وحرب دارفور والمنطقتين: جنوب كردفان والنيل الأزرق.

إن ما تريده الإدارات الأميركية يتحقق دائماً، سواء رضي حلفاؤها بخطتها أم لم يرضوا. والشواهد كثيرة على ذلك. ولذلك، من المتوقع أن إدارة ترمب حاولت من خلال لقاء سويسرا فرض أجندتها على البرهان، بعد تعثر خطوات الرباعية في التوافق على مشروع سياسي حيال السودان لضمان مصالحها، ومن ثم مصالح مصر والسعودية والإمارات. والمؤكد أن حرص واشنطن على عقد اللقاء مع البرهان دون مشاركة حلفائها يوضح اهتمام ترمب بإنجاز يُحسب لصالحه، مراعياً ما تبقى من فترة رئاسته، وكذلك مصلحة بلاده لإنهاء الحرب بما يدعم استراتيجيتها في المنطقة.

البرهان تنصل من جدة والمنامة بفعل غياب العصا آنذاك لدى الراعيين للوساطة، لكنه هذه المرة أمام توافق مباشر مع رئيس أميركي يزعم أنه سيحقق السلام العالمي، وبالتالي يُضغط على تنفيذ ما أعلنه البرهان وحده من التزامات في اللقاء، والتي لا بد أنها تمت بلا مشورة هؤلاء الحلفاء العسكريين والمدنيين.

السؤال المتروك لإجابته للقراء الكرام: هل لدى البرهان الشجاعة للسير نحو طريق إنهاء الحرب بضغط من واشنطن دون الالتفات لمعارضة حلفائه الإسلاميين للصفقة؟

خاص اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى