الحشد الشعبي بين المقاومة والسيادة: معركة العراق الخفية

تأسست وحدات الحشد الشعبي في العراق عام 2014 استجابة لتهديد تنظيم داعش، عندما انهار الجيش العراقي أمام هجوم الموصل، وتهددت بغداد ومدن دينية كبرى مثل النجف وكربلاء. كانت الفتوى الدينية الصادرة عن آية الله العظمى علي السيستاني هي الشرارة التي أطلقت آلاف المتطوعين للدفاع عن العراق، ليس كميليشيا جديدة، بل كجيش شعبي لتغطية فراغ الدولة.
من المقاومة التطوعية إلى العمود الفقري المؤسسي
مع مرور الوقت، تحولت وحدات الحشد الشعبي إلى مؤسسة رسمية ضمن الأمن القومي العراقي بعد دمجها في البرلمان عام 2016 تحت قيادة رئيس الوزراء. ضم الحشد تشكيلات متعددة مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، بالإضافة إلى وحدات سنية ويزيدية ومسيحية، لتصبح قوة أمنية متعددة الأبعاد على خريطة العراق الأمنية.
المؤيدون والمعارضون: قوة أم تحدٍ للسيادة؟
يرى المؤيدون في الحشد الشعبي “قوة وطنية تعمل تحت راية الدولة”، بينما يشير المعارضون إلى التصرفات الفردية لبعض الفصائل خارج إطار الدولة، بما في ذلك الاشتباكات مع قوات الأمن أو السيطرة على المعابر الحدودية وجمع ضرائب غير رسمية. وفق المحللة وفاء محمد كريم، “انقسام الحشد يعكس الانقسام الأوسع حول معنى الدولة في العراق.”
قيادة الدولة والاستقلال الأيديولوجي
يصف الخبراء الحشد الشعبي بأنه “وحش ثلاثي الرؤوس”: كتائب موالية للنجف، فصائل متحالفة مع إيران، ووحدات قبلية محلية. بينما تؤكد بعض الفصائل على الولاء للدولة فقط، ترى فصائل أخرى نفسها امتداداً لمحور المقاومة الإقليمي. وقد أثارت هذه الهيكلية تساؤلات حول استقلالية الدولة وولاءات الحشد.
الميزانية والدور الأمني
تضم وحدات الحشد الشعبي حالياً أكثر من 230 ألف فرد، وتخصص ميزانية لعام 2024 تبلغ حوالي 2.6 مليار دولار لمفوضيتها، مع دور رئيسي في دعم قوات الأمن وملء فراغات السلطة في مناطق مختلفة، مع الحفاظ على استقلالية بعض الفصائل.
التحديات الهيكلية والسياسية
تكمن المفارقة في أن إعادة هيكلة الحشد الشعبي أو حله قد تعرض الأمن القومي للخطر، بينما الضغط الدولي، خصوصاً الأمريكي، يسعى لمنع أي تشريع يضفي الطابع الرسمي على هيكل الحشد، وهو ما يراه القادة العراقيون تحدياً مباشراً للسيادة الوطنية.
الحشد الشعبي بين المقاومة والإصلاح
يبقى الحشد الشعبي قوة مركزية في نضال العراق لاستعادة سيادته، لكنه قوة معقدة، تتأرجح بين الولاء للدولة والارتباط الإقليمي والديني، لتبقى معضلة دمجه الكامل في هيكل الدولة العراقية محور جدل مستمر بين بغداد وطهران وواشنطن.
لندن – اليوم ميديا