الطريق الصيني لأفغانستان: هل ينقذها أم يغرقها؟

رغم انسحاب القوات الأمريكية وسيطرة طالبان على السلطة، تواجه أفغانستان تحديات كبرى في الأمن والمياه والعلاقات الإقليمية. وبكين، التي تعتبر البلاد محورًا استراتيجيًا لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، تسعى لإدماج طالبان في الترتيبات الاقتصادية والأمنية الإقليمية، لكنها تواجه تساؤلات حول قدرتها على تحقيق الاستقرار.
خلافات المياه والحدود مع إيران
تشهد العلاقات بين أفغانستان وإيران توترًا متزايدًا بسبب إدارة الموارد المائية. مشاريع بناء السدود في كابول مثل سد بخش آباد وسد باشدان أثارت مخاوف طهران، خاصة في ظل التغيرات المناخية والجفاف الطويل. تصريحات طالبان حول سيادتها على المياه تؤكد أن الإدارة المائية أصبحت أداة استراتيجية، ما يزيد التحديات الإقليمية.
المياه أداة استراتيجية لطالبان
تسعى طالبان لاستخدام الموارد المائية لتعزيز الإنتاج المحلي للطاقة والسيطرة على الأنهار العابرة للحدود مثل نهر أمو داريا ونهر حريرود. إلا أن النهج الأحادي في إدارة المياه يهدد استقرار جيران أفغانستان، خاصة باكستان، التي لا تزال تنتظر اتفاقيات رسمية لتقاسم المياه مع كابول.
الحزام والطريق: طريق إنعاش الاقتصاد الأفغاني
تعتبر طالبان الصين بوابة لإنعاش الاقتصاد من خلال مبادرة الحزام والطريق، على الرغم من أن الانضمام الرمزي للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني محدود حتى الآن. الاجتماعات الثلاثية بين الصين وأفغانستان وباكستان أكدت على التعاون الاقتصادي، تطوير البنية التحتية، النقل، التجارة، والتعليم، مع هدف تحويل أفغانستان إلى مركز اقتصادي إقليمي.
الدور الجيوسياسي الصيني في أفغانستان
تتعامل بكين مع أفغانستان كجسر بري بين غرب آسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، مع امتداد لاتفاقية التعاون الطويلة مع إيران. وقد شجعت الصين المشاركة الدولية مع طالبان، ودعمت مشاريع سكك حديدية عابرة للحدود، مع الضغط على طالبان لتخفيف العقوبات وتحقيق استقرار داخلي.
الصيغة الثلاثية: الاقتصاد مقابل الأمن
تركز الصين على نهج ثلاثي: الإغراء الاقتصادي، الدعم الأمني، والتنسيق متعدد الأطراف عبر منصات مثل منظمة شنغهاي للتعاون. الاجتماعات الثلاثية الأخيرة أكدت على التعاون الاقتصادي مع الالتزام بمكافحة الإرهاب، وبناء الثقة بين طالبان وباكستان عبر زيارات رفيعة المستوى ومبادرات مشتركة.
باكستان وضغوط الصين على طالبان
رغم الترحيب بالتعاون السياسي والتجاري، تشكو إسلام أباد من تقاعس طالبان عن الحد من تهديدات المتشددين، بما في ذلك حركة طالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان. تسعى الصين لضمان دمج التعاون الاقتصادي مع التزامات أمنية ملموسة، بما يحمي مصالحها الاستراتيجية ويخفف التوترات الإقليمية.
بكين كوسيط مع إيران
نجاح الصين في التوسط بين إيران والسعودية يعزز مصداقيتها كوسيط موثوق. وقد تشجع بكين طهران على اعتماد صيغة ثلاثية تشمل طالبان لتخفيف التوترات المائية وتحسين التنسيق عبر الحدود، ما يسمح لطهران بتجاوز الهيئات الغربية وتحقيق مكاسب مشتركة للطرفين.
اختبار دبلوماسية متعددة الأطراف
تواصل الصين العمل كـ”الأخ الأكبر” والميسر في أفغانستان، مع التركيز على استقرار الإقليم، وتأمين طرق التجارة، واحتواء التهديدات المتطرفة. وعلى الرغم من هشاشة الآليات الثلاثية، فإن هذه التجربة تمثل نموذجًا جديدًا للدبلوماسية متعددة الأطراف في المنطقة، حيث يجمع الاقتصاد والأمن والسياسة الخارجية ضمن صيغة أوراسية متعددة الأقطاب.
لندن – اليوم ميديا