ترامب يهاجم الاحتياطي الفيدرالي: هل يهدد الدولار؟

لطالما كان الرئيس دونالد ترامب ناقداً لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي عينه في 2018. ومع بداية ولايته الثانية، استمر ترامب في الضغط لخفض أسعار الفائدة، معرباً عن إحباطه من مقاومة باول. لكن مؤخراً، وصل النقد العلني إلى مستويات غير مسبوقة، مهدداً استقلال الاحتياطي الفيدرالي، والذي يُعتبر حجر الزاوية في استقرار الاقتصاد الأميركي والعالمي.

تقارير كشفت أن ترامب ناقش إمكانية إقالة باول خلال اجتماع مع المشرعين في يوليو، ووصل إلى حد تجهيز مسودة قرار لذلك. رغم تراجعه لاحقاً بعد احتجاجات عامة، إلا أن إدارته واصلت الدعوة العلنية لخفض أسعار الفائدة، كما استمرت التكهنات بشأن مستقبل كرسي باول.

تحركات غير مسبوقة من الرئيس

في خطوة نادرة، زار ترامب مقر الاحتياطي الفيدرالي في 24 يوليو، للوقوف على أعمال التجديد، وانتقد ارتفاع تكاليفها، ما أثار تكهنات بأن ذلك قد يكون ذريعة لإقالة باول. في الوقت نفسه، اختارت الإدارة حليف ترامب، ستيفن ميران، لملء منصب شاغر في مجلس المحافظين، ما يعكس توجه الإدارة لإحاطة بنك الاحتياطي الفيدرالي بأصوات مؤيدة للرئيس.

استقلالية الاحتياطي الفيدرالي: أساس الثقة بالدولار

استقلال البنك المركزي عن السياسة التنفيذية لم يكن دائماً أمراً مفروغاً منه. فقد أعطى اتفاق عام 1951 الاحتياطي الفيدرالي حرية وضع السياسة النقدية بعيداً عن الضغوط الحكومية قصيرة المدى، ما عزز مصداقيته وساعده في اتخاذ قرارات صعبة أحياناً، مثل مكافحة التضخم في عهد بول فولكر خلال الثمانينيات.

استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ليست مجرد مسألة داخلية؛ فهي دعامة أساسية لدولار قوي ومكانة الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي. أي تدخل سياسي مباشر أو ضغط متكرر قد يقوض الثقة بالدولار ويزيد تكاليف الاقتراض على الحكومة الأميركية، ما قد يرفع أسعار الفائدة على الديون السيادية ويؤثر على الأسواق العالمية.

تجارب عالمية تحذر من التدخل السياسي

أزمة تركيا تحت حكم رجب طيب أردوغان مثال حي على مخاطر تدخل السياسة في قرارات البنك المركزي. بعد تعيين حلفاء موالين، تم خفض أسعار الفائدة لمحاولة تحفيز النمو واحتواء التضخم، لكنها أدت إلى ارتفاعه إلى 75٪ في مايو 2024، مع تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة. هذا المثال يحذر من أن الضغط على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يفاقم المخاطر الاقتصادية، ويضعف دور الدولار العالمي.

التحديات الاقتصادية الحالية

قرار الاحتياطي الفيدرالي في 30 يوليو بالإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة حتى سبتمبر، صُدم به ترامب وأنصاره، خصوصاً مع بيانات توظيف أظهرت تباطؤاً وزيادة في البطالة. تصاعدت التوترات بعد أن أقال ترامب رئيسة مكتب إحصاءات العمل، متهماً دون دليل تلاعبها بالأرقام، ما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي أمام السياسة النقدية الحالية.

الإطار القانوني: باول محمي من الإقالة التعسفية

أشارت المحكمة العليا الأميركية مؤخراً إلى أنه لا يمكن عزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي دون سبب قانوني مقبول. وزير الخزانة سكوت بيسنت شدد على صعوبة إقالة باول لأسباب سياسية، وحذر من تأثير ذلك على ثقة الأسواق بالدولار واستقرار النظام المالي.

المستقبل: استقالة باول أم مواجهة محتملة؟

مع تصاعد الضغط الشعبي والسياسي، دعا بعض المحللين، مثل محمد العريان، باول إلى الاستقالة لحماية استقلال البنك المركزي، لكن هذه الخطوة ستكون سابقة خطيرة للإدارات المستقبلية، إذ قد تُجبر أي إدارة لاحقة رؤساء الاحتياطي الفيدرالي على الاستقالة بسبب خلاف سياسي، ما يهدد نزاهة السياسة النقدية الأميركية.

المسار الأكثر استدامة يبقى بقاء باول مستقلاً حتى نهاية ولايته، مع اختيار رئيس جديد بعقلية مستقلة بعد انتهاء ولايته، لضمان استمرار ثقة الأسواق بالدولار واستقرار النظام المالي العالمي.

الخلاصة

صراع ترامب مع باول ليس مجرد خلاف سياسي داخلي، بل اختبار حقيقي لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، التي تُعد خط الدفاع الأول للدولار والنظام المالي العالمي. أي تصعيد سياسي أو تدخل مباشر في السياسة النقدية الأميركية قد يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق العالمية وارتفاع تكاليف الاقتراض، مع انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأميركي والمكانة الدولية للعملة الخضراء.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى