أقدم قصة حب في التاريخ: الإنسان والنياندرتال قبل 140 ألف عام

في اكتشاف علمي يغيّر سردية تطور الإنسان، أعلن فريق دولي من علماء الأنثروبولوجيا عن أدلة تشير إلى أن الإنسان العاقل (Homo sapiens) والنياندرتال (Homo neanderthalensis) قد تزاوجوا قبل نحو 140 ألف عام في منطقة جبل الكرمل بفلسطين التاريخية (إسرائيل اليوم). هذا الاكتشاف، الذي يستند إلى إعادة فحص بقايا بشرية عُثر عليها في كهف السخول عام 1928، يسبق كل الأدلة الجينية السابقة على اختلاط النوعين بما يقارب 100 ألف سنة.
طفل يغيّر التاريخ
أول هيكل عظمي عُثر عليه في الموقع كان لطفلة يتراوح عمرها بين 3 و5 سنوات. وباستخدام تقنيات التصوير المقطعي الدقيق (micro-CT) وإعادة بناء ثلاثية الأبعاد لجمجمتها وفكها السفلي، وجد الباحثون أن الطفلة حملت مزيجاً من الصفات التشريحية:
- جمجمة قريبة الشبه بالإنسان العاقل.
- فك وأسنان وبنية داخلية للأذن أقرب إلى النياندرتال.
هذا “الموزاييك التشريحي” يدعم بقوة فرضية أن الطفلة كانت نتاج تزاوج مباشر بين النوعين.
أقدم مثال على التهجين
الدراسات الجينية السابقة أكدت أن الإنسان العاقل والنياندرتال تزاوجا بين 50 – 43 ألف عام مضت، لكن نتائج هذا البحث، المنشور في مجلة L’Anthropologie (عدد يوليو – أغسطس 2025)، تشير إلى أن التهجين بدأ أبكر بكثير، ربما منذ خروج الإنسان العاقل من إفريقيا في أولى موجات الهجرة الكبرى.
البروفيسور إسرائيل هيرشكوفيتز من جامعة تل أبيب، كبير مؤلفي الدراسة، قال: “ما نضيفه إلى قصة تطور الإنسان ليس مجرد فترة قصيرة من التداخل بيننا وبين النياندرتال، بل فترة طويلة من التعايش السلمي والاختلاط في بلاد الشام”.
التعايش لا الصراع
لطالما اعتُقد أن الإنسان العاقل تفوق على النياندرتال في الصراع من أجل البقاء، لكن هذا الاكتشاف يشير إلى سيناريو مختلف: تعايش طويل الأمد في منطقة المشرق (Levant)، حيث عاش النوعان جنباً إلى جنب وربما تشاركوا في الثقافة والموارد وحتى في الروابط العائلية.
حدود الدليل التشريحي
مع ذلك، حذر باحثون مستقلون مثل ويليام هاركورت-سميث من المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي من المبالغة في تفسير النتائج، مشيرين إلى أن الصفات العظمية قد تتأثر بعوامل النمو في الطفولة. وأضاف: “الأدلة الجينية تبقى الحَكَم النهائي لتأكيد التهجين”.
لكن خبراء آخرين مثل زيريسيناي أليمسيغد من جامعة شيكاغو اعتبروا الفرضية “منطقية”، خاصة وأن الأدلة الجينية السابقة أثبتت بالفعل أن معظم البشر اليوم خارج إفريقيا يحملون بين 1% و4% من جينات النياندرتال.
مقبرة عمرها 140 ألف سنة
إلى جانب بقايا الطفلة، وُجدت في كهف السخول هياكل لسبعة بالغين وثلاثة أطفال، جميعهم مدفونون عمداً في ما يبدو أنه أقدم مقبرة بشرية معروفة. اللافت أن كل فرد أظهر مزيجاً مختلفاً من صفات النياندرتال والإنسان العاقل.
هذا السلوك الجنائزي المبكر يغيّر أيضاً فهمنا لتطور الثقافة البشرية. فوفق هيرشكوفيتز: “دفن الموتى هنا يشير إلى وعي بالمكان والذاكرة الجماعية، وهو سلوك مرتبط عادةً بظهور الزراعة قبل 12 ألف عام. لكننا نراه هنا قبل 140 ألف عام”.
إعادة كتابة تاريخ البشر
تكشف هذه النتائج أن قصة تطور الإنسان ليست خطاً مستقيماً، بل شبكة معقدة من التفاعلات بين أنواع بشرية متقاربة. وإذا تأكدت فرضية التهجين المبكر، فهذا يعني أن الإنسان العاقل حمل معه إرث النياندرتال منذ بدايات خروجه من إفريقيا، وليس فقط في مراحله المتأخرة.
الخلاصة
كهف السخول لا يمثل مجرد موقع أثري، بل شهادة على أول “قصة حب” في تاريخ البشرية، حيث التقى نوعان مختلفان من البشر وتزاوجا، تاركين وراءهم إرثاً وراثياً ما زال يسري في عروقنا حتى اليوم.
لندن – اليوم ميديا