مفاجأة كوشنر وبلير لغزة.. دبي أم كابوس ينتظر القطاع؟

رغم الانقسام المزمن في الشرق الأوسط، يبرز توافق شبه جماعي على رؤية واحدة: غزة بعد الحرب يجب أن تتحول إلى دبي جديدة. فكرة تحويل القطاع المحاصر والممزق إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” ليست وليدة اليوم، فقد تحدثت عنها إسرائيل مراراً، والآن تدفع بها الدول العربية المجاورة بشروط واضحة، أهمها: عدم تهجير سكان غزة.
وبحسب “خطة مصر” التي أقرتها جامعة الدول العربية في مارس الماضي، والمقدرة بـ 53 مليار دولار، يمكن إعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات فقط، لتشمل أبراجاً متلألئة وحدائق وموانئ ومطاراً دولياً ومنطقة أعمال متطورة. استطلاعات رأي أُجريت في غزة بين أبريل ومايو أظهرت أن 27% من السكان يرغبون أن يصبح قطاعهم مثل دبي والإمارات، مقابل 15% يفضلون تركيا، و14% سنغافورة، و12% السعودية. اللافت أن الدعم لحماس والمقاومة المسلحة انخفض إلى أقل من 4%.
توني بلير.. “المهووس” بفلسطين يعود إلى الواجهة
صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية كشفت أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي لا يزال “مهووساً” بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حضر اجتماع البيت الأبيض الأخير برئاسة دونالد ترامب لمناقشة ملف غزة.
بلير الذي تولى منصب مبعوث “الرباعية الدولية” عام 2007 وحتى 2015، يقود اليوم معهداً ضخماً تبلغ موازنته نحو 145 مليون دولار ويضم 800 موظف في أبوظبي والرياض وواشنطن. وقد لعب دوراً بارزاً سابقاً في اتفاقية الجمعة العظيمة 1998 التي أنهت الصراع في أيرلندا الشمالية، وهو ما يجعل بعض الدبلوماسيين يرونه مرشحاً لإعادة توظيف خبرته في غزة.
كوشنر في المشهد.. هندسة “أبراهام” تتقاطع مع غزة
انضم إلى بلير في اجتماع البيت الأبيض جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس اتفاقيات أبراهام التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية. ورغم خروجه من المنصب الرسمي، لا يزال كوشنر يحتفظ بعلاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، ويدير استثمارات بمليارات الدولارات لصالحها.
تقول مصادر أميركية إن كوشنر لعب دوراً في تمهيد الطريق لجولة ترامب الخليجية في مايو 2025، التي ضمنت أكثر من تريليوني دولار استثمارات داخلية للولايات المتحدة. وهنا يبرز السؤال: هل يسعى ترامب إلى “صفقة كبرى” تُنهي حرب غزة، تعيد إعمار القطاع، وتُبقي الأموال الخليجية تتدفق إلى أميركا؟
خطة ترامب.. بين الرؤية الطموحة والتهجير المرفوض
الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال علناً إنه “سئم من حرب غزة” ويريد حلاً سريعاً، خاصة بعد أن بدأت قاعدته السياسية (ماغا) تضغط عليه لوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل. بل وذهبت النائبة اليمينية المتشددة مارغوري تايلور غرين إلى حد المطالبة بخفض التمويل العسكري لإسرائيل، متهمة إياها بارتكاب جرائم حرب.
لكن العقبة أن خطة ترامب الأصلية كانت تتضمن اقتلاع سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة لإفساح المجال أمام مشاريع الإعمار، وهو ما لاقى رفضاً عربياً وأوروبياً واسعاً. بل وتحدث وزراء إسرائيليون صراحة عن “شحن سكان غزة إلى جنوب السودان”، الدولة الفاشلة التي لا توفر أي مقومات حياة.
هذا الطرح أثار مخاوف أوروبية من موجة جديدة من الهجرة غير النظامية، مما دفع دولاً مثل فرنسا وبريطانيا وكندا ومالطا إلى تجديد الدعوة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
خطة مصر بثلاث مراحل.. إعادة إعمار مشروطة
لتجاوز هذه المعضلات، قدمت القاهرة خطة طموحة من ثلاث مراحل على مدى خمس سنوات، تتضمن:
- إدارة إعادة الإعمار عبر تكنوقراط فلسطينيين مستقلين بدعم صندوق دولي والسلطة الفلسطينية.
- استبعاد حماس من الحكم المباشر والأمن، مع بقاء ملف السلاح مؤجلاً لحلول سياسية لاحقة.
- إشراف دولي عبر بعثة محتملة لحفظ السلام، إلى جانب تدريب الشرطة الفلسطينية في مصر والأردن.
الخطة المصرية تحاول التوفيق بين رؤية ترامب لـ”غزة دبي جديدة” وبين مطلب العرب الأساسي: خريطة طريق لدولة فلسطينية مستقلة قبل التمويل.
معضلة حماس والسلاح.. خط أحمر إسرائيلي
رغم أن حماس قد تقبل بعزلها عن الحكم المباشر في غزة، إلا أنها ترفض بشدة نزع سلاحها. إسرائيل من جهتها تصر على أن بقاء حماس مسلحة هو “خط أحمر”، فيما يُعرف عن نتنياهو رفضه لأي خطوات تؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة، ما لم تمارس الولايات المتحدة ضغطاً مباشراً عليه.
هنا يعود بلير إلى الواجهة، فكما جمع بين إيان بيزلي وجيري آدامز في أيرلندا الشمالية، يحاول اليوم اختبار إمكانية نسخ بعض مبادئ ذلك الاتفاق (تقاسم السلطة، الموافقة الشعبية، نزع السلاح التدريجي) في غزة.
ترامب بين نوبل وتريليونات الخليج
بالنسبة لترامب، فإن إنهاء حرب غزة وتحويل القطاع إلى قصة نجاح اقتصادي قد يجلب له ما يسعى إليه: جائزة نوبل للسلام، إضافة إلى تريليونات الدولارات من الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأميركي. لكن يبقى السؤال: هل يستطيع بلير (72 عاماً) وكوشنر إعادة إنتاج معادلة أيرلندا الشمالية في فلسطين، حيث الفجوة أعمق والرهانات أخطر؟
الخلاصة
اجتماع البيت الأبيض الذي جمع ترامب ببلير وكوشنر لا يقتصر على بحث إعادة إعمار غزة، بل قد يكون نقطة انطلاق لرسم مستقبل القطاع والمنطقة. بين الطموحات الاقتصادية، والتوازنات السياسية، وشبح التهجير، تظل غزة عالقة بين أن تتحول إلى “دبي الشرق الأوسط” أو أن تبقى ساحة صراع مفتوح.
لندن – اليوم ميديا