أميركا تحت غطاء محاربة المخدرات.. هل تستعد لغزو فنزويلا؟

دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة في حربها الطويلة على فنزويلا، حيث تجاوزت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية إلى التحركات العسكرية المباشرة. أرسلت واشنطن سفناً حربية ومدمرات من فئة “أرلي بورك” مجهزة بأنظمة “إيجيس” وصواريخ “توماهوك كروز”، بالإضافة إلى مجموعة هجومية برمائية، إلى المياه القريبة من فنزويلا، في خطوة واضحة لاستخدام القوة العسكرية تحت غطاء مكافحة المخدرات والإرهاب.
العقوبات الاقتصادية والفشل في إسقاط مادورو
بدأت الولايات المتحدة محاولاتها للسيطرة على فنزويلا منذ عقود، بدءاً من فرض عقوبات شاملة في عهد أوباما، ثم تشديد هذه العقوبات إلى مستويات غير مسبوقة في عهد ترامب. الهدف الرسمي كان تغيير النظام البوليفاري في كاراكاس وتنصيب المعارضة في الحكم، لكن جميع هذه المحاولات فشلت بسبب صمود حكومة الرئيس نيكولاس مادورو ودعمه الشعبي والجيشي.
يستمر البيت الأبيض في محاولة استخدام العقوبات كأداة ضغط، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن هذه الإجراءات لم تنجح في تقويض الحكومة الفنزويلية، بل عززت من تماسك مؤسساتها العسكرية والسياسية.
الغطاء الرسمي: مكافحة المخدرات والإرهاب
رسمياً، تصف واشنطن تحركاتها ضد فنزويلا بأنها جزء من حملة واسعة لمكافحة المخدرات والمنظمات الإرهابية. لكن خبراء الأمن الدولي يؤكدون أن هذا الغطاء يتهاوى تحت التدقيق، حيث أن الهدف الحقيقي هو تغيير النظام والسيطرة على الموارد الحيوية للبلاد، وعلى رأسها احتياطيات النفط الضخمة.
في يوليو، صرحت إدارة ترامب أن مادورو يقود ما يسمى “كارتل دي لوس سولز”، وهي مجموعة وصفها البيت الأبيض بأنها منظمة إرهابية، رغم عدم وجود دليل ملموس على وجود كيان مركزي رسمي لإدارة المخدرات داخل الدولة.
الحرب القانونية: تبرير العدوان أمام الرأي العام
اتخذت واشنطن خطوات قانونية تمهيدية لدعم الهجوم العسكري، حيث أصدر الرئيس الأمريكي توجيهات سرية تمنح البنتاغون سلطة استهداف “المنظمات الإرهابية الأجنبية”، بما في ذلك تصنيف شبكات داخل الجيش الفنزويلي على أنها تهريب مخدرات.
كما قدمت وزارة العدل الأمريكية مكافأة قدرها 50 مليون دولار للقبض على مادورو، في إطار استراتيجية تهدف إلى تجريد الرئيس الفنزويلي من الحصانة السيادية وتصويره كإرهابي مخدرات أمام الرأي العام المحلي والدولي. يرى الخبراء أن هذه الخطوة تهدف أيضاً للضغط على كبار المسؤولين الفنزويليين لدفعهم للانشقاق أو التعاون مع المعارضة المدعومة أمريكياً.
النفط الفنزويلي في قلب الاستراتيجية الأمريكية
تحتوي فنزويلا على أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، ما يجعلها هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة. تشير تحليلات الخبراء إلى أن التدخل الأمريكي ليس مجرد مكافحة للمخدرات، بل جزء من استراتيجية واسعة للسيطرة على النفط أو على الأقل حرمان القوى المنافسة من الوصول إليه، بما يشمل روسيا والصين وإيران.
تؤكد الخطط العسكرية الأمريكية، إلى جانب الحملات الإعلامية والقانونية، على أهمية النفوذ البحري للولايات المتحدة في الكاريبي والفناء الخلفي لأمريكا اللاتينية، بما يسمح للبيت الأبيض بممارسة الضغط على الحكومات المحيطة.
الدفاع الفنزويلي: حرب استنزاف طويلة
تتبنى فنزويلا عقيدة الدفاع الشعبي المعروفة باسم “حرب كل الناس”، التي تستلزم تعبئة الملايين من المدنيين عبر الميليشيات البوليفارية لإنشاء شبكة مقاومة وطنية. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحويل أي تدخل أمريكي إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة، مع صعوبة السيطرة على كامل الأراضي الفنزويلية.
كما أن تحالفات مادورو الإقليمية والدولية تعزز من قدرته على الصمود، حيث تقدم روسيا الأسلحة والتدريب العسكري، وتدعم الصين البنية التحتية والتمويل مقابل النفط، بينما تقدم إيران خبرات فنية وحلولاً عملية لإعادة تشغيل مصافي النفط وتوفير الوقود.
تحالفات دولية تدعم كاراكاس
الدعم الروسي والصيني والإيراني لمادورو يحول أي تدخل أمريكي محتمل إلى مواجهة معقدة في نظام متعدد الأقطاب. روسيا تقدم العمق العسكري، الصين توفر الأكسجين الاقتصادي، وإيران تقدم الدعم اللوجستي اليومي، ما يجعل فرض الهيمنة الأمريكية على فنزويلا تحدياً صعباً.
تسعى هذه التحالفات إلى حماية حكومة مادورو، وتعطيل أي محاولة انقلابية، وضمان استمرار تدفقات النفط والخدمات الأساسية رغم العقوبات الأمريكية. هذا المشهد يعكس تحول فنزويلا إلى محور مواجهة استراتيجية بين الولايات المتحدة والدول الكبرى.
السيناريوهات المستقبلية
إذا مضت واشنطن في تصعيدها العسكري، فإنها قد تواجه حرب استنزاف طويلة تؤدي إلى فقدان الدعم المحلي والدولي، كما حدث في تدخلات سابقة في بنما وفيتنام. بالمقابل، أي تراجع أمريكي سيعزز مكانة مادورو ويحفظ له تحالفاته الدولية، ويُظهر قوة المقاومة الشعبية والجيش الوطني البوليفاري.
غزو تحت ستار المخدرات
التحركات الأمريكية ضد فنزويلا تكشف أن “حرب المخدرات” مجرد غطاء قانوني لإخفاء الهدف الحقيقي: السيطرة على النفط والموارد الاستراتيجية، وفرض النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي. وبينما تعزز فنزويلا من دفاعها الشعبي والاستراتيجي، تظهر مواجهة متعددة الأبعاد معقدة، تشمل الجيش والمجتمع المدني والتحالفات الدولية، مما يحول أي محاولة غزو إلى تحدي ضخم قد يغرق واشنطن في مستنقع أميركا الجنوبية.
لندن – اليوم ميديا