أربع سنوات بعد الانقلاب.. من يواجه قيس سعيد؟

في 25 يوليو 2021، وفي الذكرى السنوية لإعلان الجمهورية التونسية عام 1957، أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد على الاستحواذ الكامل على السلطات، عبر تعليق عمل البرلمان وإقالة الحكومة. لاحقاً، حلّ المجلس المكلف بضمان استقلال القضاء، ثم ألغى الدستور، مما عزز قبضته على الحكم.

هذه الخطوات التي وُصفت بالانقلاب أدت إلى حملة واسعة على الحقوق المدنية، حيث تم اعتقال عشرات المعارضين، من محامين ونشطاء وصحفيين، لتتراجع المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011.

انقسامات المعارضة التونسية

في الذكرى الرابعة لهذه الأحداث، حاولت عدة قوى سياسية ومنظمات مدنية حشد الشارع ضد سياسات سعيد. فقد دعت جبهة الإنقاذ الوطني، والشبكة التونسية للحقوق والحريات، إضافة إلى لجنة دعم القاضي السابق أحمد سواب، إلى تنظيم مسيرة احتجاجية في العاصمة تونس.

لكن سرعان ما ظهرت الانقسامات العميقة؛ حيث رفضت بعض القوى السير جنباً إلى جنب، وألغت الجبهات الرئيسية فعالياتها، بينما اتهمت مجموعات أصغر هذه الخطوة بأنها “خيانة واضحة”. وفي النهاية، لم يتجاوز عدد المشاركين في المسيرة ما بين 2000 و3000 شخص، وهو رقم ضعيف مقارنة بتظاهرات ما قبل حملة سعيد.

ثلاث كتل معارضة رئيسية

1. جبهة الإنقاذ الوطني وحزب النهضة

تتشكل أساساً من حزب النهضة الذي قاد الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 2011، قبل أن يحل البرلمان من قبل سعيد. زعيم الحزب راشد الغنوشي يواجه أحكاماً مشددة بالسجن وصلت إلى 22 عاماً بتهم “التآمر ضد الدولة”. معارضو النهضة ينقسمون بين رافض للإسلام السياسي، وبين من يحمل الحزب مسؤولية الأزمات التي عصفت بتونس بعد الثورة.

2. الحزب الدستوري الحر

يقدّم نفسه كوريث للحبيب بورقيبة وبن علي، ويرفض القوى التي حكمت بعد الثورة، خاصة النهضة. زعيمته عبير موسي معتقلة منذ أكتوبر 2023، وتواجه محاكمات بموجب مرسوم قانون 54، بتهم تصل عقوبتها نظرياً إلى الإعدام. ورغم عدائها لسعيد، تتقاطع مواقف حزبها مع خطابه حول المنظمات غير الحكومية والتمويل الأجنبي.

3. الشبكة التونسية للحقوق والحريات وتحالفات المجتمع المدني

تشمل أحزاباً مدنية ومنظمات حقوقية تأسست رفضاً للانتخابات الرئاسية لعام 2024، والتي اعتُبرت “مطبوخة مسبقاً” لضمان إعادة انتخاب سعيد. ورغم حيويتها الإعلامية، تعاني من ضعف في القاعدة الشعبية، خصوصاً خارج المدن الكبرى.

جذور الانقسام وصعوبة التوحيد

تعود هذه الانقسامات إلى إرث صراعات تاريخية بين الإسلاميين واليسار والدستوريين. الناشطة شيماء عيسى ترى أن “أيديولوجية الإقصاء” تهيمن على المعارضة، وتمنعها من بناء جبهة موحدة. وهي نفسها تقضي عقوبة بالسجن 18 عاماً ضمن محاكمة جماعية وصفتها منظمات حقوقية بأنها “سياسية”.

أما حسام الحامي، منسق ائتلاف الصمود، فيدعو إلى مراجعة نقدية داخلية وتوقيع “ميثاق لإدارة التنافس السياسي بسلام”، معتبراً أن تجاوز الخلافات ضرورة للتفكير في مرحلة ما بعد سعيد.

أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة

إلى جانب الانحدار الديمقراطي، تواجه تونس أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة لم يستطع الرئيس سعيد احتواءها. ورغم تزايد الغضب الشعبي، لا يرى كثير من التونسيين في المعارضة بديلاً جدياً، ما يفسر استمرار سعيد في الحكم وفوزه بالانتخابات الأخيرة رغم تراجع الحقوق والحريات.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى