رؤية السعودية – مصر للأمن العربي.. خطوة نحو الاستقرار أم مجرد رمزية؟

أعلنت مصر ترحيبها واعتمادها للرؤية السعودية-المصرية حول ترتيبات أمن المنطقة، بعد أن اعتمد مجلس جامعة الدول العربية القرار على المستوى الوزاري خلال الدورة 164 المنعقدة في القاهرة.
وتأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، خصوصًا على خلفية الأزمة الفلسطينية وتصاعد القصف الإسرائيلي على غزة، وكذلك الانتهاكات في القدس والمخاطر الإقليمية في ليبيا واليمن والسودان.
ويعكس القرار دور القاهرة والرياض القيادي في صياغة إطار عربي للأمن والتعاون الإقليمي، قائم على سيادة الدول واحترام القانون الدولي، ورفض التدخلات الخارجية، وعدم فرض ترتيبات أمنية أحادية. وتؤكد الرؤية على أن الأمن الإقليمي لا يتحقق إلا بالالتزام الصارم بالمبادئ الحاكمة، بما في ذلك احترام وحدة الأراضي والامتناع عن استخدام القوة خارج نطاق الشرعية الدولية.
المبادرة العربية بين الواقعية والطموح: سيادة الدول وحل القضية الفلسطينية
تشدد الرؤية على أن الدول العربية لها الحق الأصيل في بلورة مبادئ حاكمة لترتيبات الأمن الإقليمي، بما يشمل تسوية النزاعات بالطرق السلمية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ويعتبر القرار أيضًا إطارًا واضحًا لتأكيد حقوق الفلسطينيين ومبدأ حل الدولتين، الذي تبنته المبادرة السعودية-المصرية، معتبرًا أن السلام والاستقرار لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وفتح أفق سياسي واقتصادي يضمن العدالة للشعب الفلسطيني.
وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن القرار يعكس رسالة قيادية عربية واضحة، وهي أن أي تلميحات إسرائيلية للمساس بسيادة الدول العربية مرفوضة، وأن أمن المنطقة مرتبط باحترام القانون الدولي وحقوق الشعوب.
وقد حدد القرار شكل التحرك العربي خلال المرحلة المقبلة في اتجاهين: إيقاف الحرب الوحشية على الفلسطينيين في غزة والحفاظ على مشروع الدولة الفلسطينية.
التحليل الغربي: خطوة نحو الاستقرار أم مجرد رمزية؟
يرى خبراء غربيون أن هذه الخطوة تحمل بعدًا سياسيًا مهمًا لكنها تواجه تحديات كبيرة على الأرض. يقول جوناثان سميث، الباحث في الشؤون العربية بجامعة جورجتاون: “هذه الرؤية تعكس إرادة عربية حقيقية في حماية السيادة الإقليمية، لكنها تحتاج إلى آليات تنفيذية فعالة للتعامل مع الضغوط الإسرائيلية والدولية، وإلا ستظل رمزية أكثر من كونها عملية”.
بينما ترى إليزابيث كارتر، خبيرة الأمن في المجلس الأطلسي أن المبادرة السعودية-المصرية تشكل إشارة قوية إلى الغرب بأن الدول العربية تسعى لتحقيق استقرار شامل في المنطقة، و”تعطي الغرب إطارًا للتعاون مع الدول العربية دون التدخل العسكري المباشر”، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات في غزة والقدس.
دعم السيادة العربية: رفض الهيمنة والابتزاز السياسي
توضح الرؤية أن الأمن الإقليمي لا يُصنع من طرف واحد، وأن أي محاولة لفرض ترتيبات أحادية أو الهيمنة على الدول العربية مرفوضة.
وتشدد المبادرة على أن الالتزام بالمبادئ الحاكمة يشمل رفض الإكراه السياسي، وإنهاء الاحتلال، ورفض فرض الحلول بالقوة، ما يعكس فهمًا عميقًا للأزمات الممتدة في المنطقة وأهمية الحلول العربية الذاتية.
ويؤكد محللون أن هذه الرسائل تمثل تصعيدًا دبلوماسيًا مدروسًا، فهي لا تكتفي بإدانة الانتهاكات الإسرائيلية، بل تسعى لتقديم إطار عربي واضح للتعاون الأمني، وهو ما قد يفتح آفاقًا للحوار مع الأطراف الغربية والدولية لتقديم دعم سياسي واقتصادي مستدام.
الممارسات الإسرائيلية في فلسطين: ضرورة المبادرة العربية المشتركة
القرار يأتي في ظل تصعيد إسرائيل لحرب إبادة على سكان غزة، مع قصف المدنيين وهدم المنازل وفرض الحصار، بحسب تصريحات جامعة الدول العربية.
ويشير أبو الغيط إلى أن استمرار هذه الانتهاكات يشكل عاملًا رئيسيًا لزعزعة الاستقرار في المنطقة وانتشار التطرف والعنف، وهو ما يعزز من أهمية وجود رؤية عربية موحدة تحمي سيادة الدول وتعيد الزخم لمسار التسوية العادلة للقضية الفلسطينية.
الرؤية متعددة الأبعاد: الأمن، التعاون، والمصالح المشتركة
لا يقتصر القرار على فلسطين فقط، بل تناول وزراء الخارجية العرب تطورات الوضع في ليبيا واليمن والسودان والصومال، وأمن الملاحة، وإمدادات الطاقة في الخليج وسد النهضة الإثيوبي.
وهذا يشير إلى نهج شامل يعكس إدراك الدول العربية لأهمية الربط بين الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي لحماية مصالح المنطقة وتعزيز التعاون العربي-العالمي.
هل تكفي المبادرة السعودية-المصرية لتحقيق الاستقرار؟
على الرغم من قوة المبادرة ومبادئها الواضحة، يرى بعض الخبراء أن نجاحها يعتمد على القدرة على فرض هذه المبادئ على الأرض، بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان احترام سيادة الدول العربية. ووفق آراء غربية، فإن المبادرة تمثل خارطة طريق استراتيجية للعرب لكنها بحاجة إلى دعم دولي فعلي لتطبيقها.
خلاصة تحليلية
المبادرة السعودية-المصرية تعتبر لحظة قيادية عربية مهمة، إذ تجمع بين حماية السيادة الوطنية، تعزيز الأمن الإقليمي، ودعم القضية الفلسطينية. ومع ذلك، تظل التحديات أمام تنفيذها كبيرة بسبب التدخلات الإقليمية والدولية، والحاجة إلى أدوات ضغط عملية. وبغض النظر عن هذه التحديات، فإن القرار يعكس وعيًا عربيًا متقدمًا ويضع الأسس لتعزيز الأمن والتعاون في منطقة معقدة تتشابك فيها السياسة والقوة والتاريخ.
لندن – اليوم ميديا