من يربح اللعبة؟ الرياض وأبوظبي في صراع يحدد مصير العالم

تطلق الدول العربية في الخليج العنان لرأس المال السيادي وتقيم تحالفات بين الجنوب والجنوب للسيطرة على المعادن الأكثر حيوية في العالم، لتتمكن من الهيمنة على صناعات عصر ما بعد النفط.

فبعد عقود من بناء اقتصاداتها على الثروات النفطية، ومع تقلب الأسعار ونمو المحور العالمي للطاقة المتجددة، برز التعدين الاستراتيجي كمحطة تالية للتأثير الاقتصادي في العالم.

السعودية والإمارات في صدارة سباق المعادن

استولت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على زمام المبادرة من خلال نشر صناديق الثروة السيادية لتأمين الأصول المادية، والحصول على حصص في مشاريع التعدين الحيوية في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية، وإطلاق مشاريع مشتركة في جميع أنحاء العالم.
هذا التوجه يدمج بين النفوذ الاقتصادي والسياسي في سباق جيوسياسي عالمي متصاعد، مع ارتفاع الطلب على معادن مثل الليثيوم والنحاس والعناصر الأرضية النادرة.

الليثيوم: الذهب الأبيض الجديد

تُعد المعادن الاستراتيجية حجر الأساس للتكنولوجيا النظيفة والإلكترونيات وأنظمة الدفاع، حيث تدعم صناعات البطاريات والسيارات الكهربائية.

وفي العواصم الخليجية، ينظر إلى الليثيوم كـ “ذهب أبيض”، خاصة مع توقع نمو سوق السيارات الكهربائية من 3.5 مليار دولار عام 2023 إلى 9 مليارات دولار بحلول 2028، وزيادة الطلب على الليثيوم أربعين ضعفاً بحلول 2040.

السعودية: شراء النفوذ عبر الاستثمارات طويلة الأجل

تتعامل الرياض مع الاستثمار في المعادن الحيوية كأداة جيوسياسية، من خلال حصص الأقلية في الشركات الكبرى، ما يضمن تأثيراً طويل الأمد دون أعباء تشغيلية أو عسكرية.

منذ تأسيس الشركة السعودية لتكرير الذهب عام 2008، وضعت المملكة الأساس لقطاع تعدين وطني يمتد إلى أكثر من 150 موقعاً و25 رخصة استكشاف.

وتملك ثلاثة مناجم دولية في المغرب وأوزبكستان وكردستان العراق، مع خطط للتوسع إلى مصر والسودان وإثيوبيا وموريتانيا وإريتريا وباكستان وكازاخستان بحلول نهاية 2025.

أفريقيا: القلب الاستراتيجي للاستثمارات السعودية

مع امتلاكها 30% من الاحتياطيات المعدنية العالمية، أصبحت أفريقيا محوراً للاستراتيجية السعودية. تطوّر الرياض مشاريع في نيجيريا والكونغو وغانا، وتشمل الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنغنيز والبوكسيت.

كما أطلقت المملكة قمماً اقتصادية لتعزيز نفوذها، منها المؤتمر الاقتصادي السعودي الأفريقي (نوفمبر 2023) الذي حقق أكثر من 500 مليون دولار من الصفقات، ومنتدى معادن المستقبل بالرياض (يناير 2024).

التوسع السعودي نحو آسيا وأميركا اللاتينية

في باكستان، تستثمر السعودية مليار دولار في مشروع ريكو ديق للنحاس والذهب، بينما في أميركا اللاتينية تمتلك 10% من شركة فالي البرازيلية وتشارك في مشروع الليثيوم ماريكونغا مع تشيلي.

الإمارات: الاستحواذ السريع وسياسة السيطرة المباشرة

على عكس السعودية، تنتهج أبوظبي استراتيجية الاستحواذ الكامل بحصص الأغلبية، لضمان النفوذ التشغيلي المباشر.

في مدغشقر، وقعت الإمارات اتفاقية لإنشاء محطة طاقة شمسية ومشاريع تعدين وذهب، ترافقها دبلوماسية نشطة مثل افتتاح سفارة مدغشقر في أبوظبي وزيادة رحلات الطيران.

وفي زامبيا، استحوذت الإمارات على 51% من منجم موباني للنحاس مقابل 1.1 مليار دولار (ديسمبر 2023)، ثم تقدمت للاستحواذ على منجم لوبامبي.

التوسع الإماراتي في أفريقيا وأميركا اللاتينية

في الكونغو، تسعى الإمارات للسيطرة على قطاع القصدير عبر مفاوضات مع دينام كابيتال. وفي فبراير 2025، وقعت مذكرة تفاهم مع الأرجنتين لتطوير مشاريع تعدين مشتركة، في إطار سعيها لبناء سلسلة توريد عالمية مرنة.

ملامح التنافس السعودي الإماراتي

يتجسد التنافس بين الرياض وأبوظبي اليوم في قطاع التعدين العالمي بشكل علني، خصوصاً في أفريقيا والقرن الأفريقي.

  • السعودية: تفضل حصص الأقلية طويلة الأمد، مثل 10% من فالي و9.9% من شركة استكشاف أميركية.
  • الإمارات: تركز على السيطرة المباشرة عبر الاستحواذات الكبرى مثل موباني.

البحر الأحمر والقرن الأفريقي: مسرح المواجهة الجديدة

تمثل إريتريا بمخزونها الغني من النحاس والذهب والحديد والنيكل والرخام والجرانيت جائزة استراتيجية، مع سعي الرياض إلى ميناء عصب، في حين تدعم أبوظبي مساعي إثيوبيا للوصول إلى البحر.

وسط التوترات في البحر الأحمر، تتحول المعادن الاستراتيجية إلى محور صراع عالمي، حيث تتقاطع مصالح الخليج مع بكين وواشنطن، في مشهد يعيد رسم خريطة القوة لعصر ما بعد النفط.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى