إسرائيل تضرب قلب الدوحة.. هل بدأت أبواب الجحيم؟

في سابقة غير معهودة، أعلنت إسرائيل عن تنفيذ عملية عسكرية دقيقة استهدفت اجتماعاً لقيادات حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة. وبحسب الجيش الإسرائيلي، شاركت 15 طائرة مقاتلة وعدد من الطائرات المسيرة، حيث استُخدمت أكثر من 10 ذخائر ثقيلة لضرب المقر الذي كان يضم قيادات بارزة للحركة.
ووفق تقديرات تل أبيب، فإن العملية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ستة من كبار القادة، بينهم خليل الحية، زاهر جبارين، ونزار عوض الله، مع ترجيحات بمقتل خالد مشعل أثناء الاجتماع.
قطر تندد.. “هجوم جبان وانتهاك للسيادة”
أدانت قطر الهجوم الإسرائيلي بشدة، واعتبرته “عدواناً جباناً” يستهدف أراضيها ومواطنيها ويهدد أمن المنطقة، مؤكدة أن الاعتداء يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وزارة الخارجية القطرية شددت في بيان رسمي على أن استهداف دولة ذات سيادة يُدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الفوضى، وأن الدوحة ستلجأ إلى كافة المسارات الدبلوماسية والقانونية للرد.
دوافع إسرائيل: “حرب بقاء سياسي” لنتنياهو
يرى خبراء أن العملية لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل تحمل أبعاداً سياسية داخلية. اللواء المصري أسامة محمود كبير أكد أن نتنياهو يسعى عبر هذه العملية لتحقيق هدفين:
- التخلص من ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين يطالبون بصفقة تبادل.
- إبقاء الحرب مشتعلة، لأن أي تهدئة قد تعني نهاية مستقبله السياسي واحتمالية دخوله السجن بسبب ملفات الفساد.
ويشير مراقبون إلى أن نتنياهو يستخدم العمليات الخارجية لتصدير أزماته الداخلية، وتثبيت نفسه زعيماً في ظل الانقسامات الحادة داخل إسرائيل.
رأي الخبراء الغربيين: انتهاك للسيادة الدولية
الخبير الأميركي ريتشارد هاس (الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية) صرّح في حديث لصحيفة Foreign Policy أن “إسرائيل بهذا التصرف كسرت خطاً أحمر خطيراً يتمثل في استهداف قيادات معادية داخل دولة حليفة للغرب”، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى تفكيك شبكات التحالف الأميركي في المنطقة.
من جهته، قال الخبير القانوني الفرنسي جان بيار مولان إن “العملية الإسرائيلية تدخل بوضوح تحت بند جريمة عدوان وفق المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة”، مؤكداً أن المجتمع الدولي قد يضطر للتعامل مع إسرائيل كـ”دولة مارقة” إذا لم يتم فرض عقوبات رادعة.
البعد القانوني: جريمة عدوان بلا غطاء
يصف خبراء القانون الدولي الهجوم بأنه اعتداء مباشر على سيادة قطر، ما يجعله غير قابل للتبرير تحت أي ذريعة أمنية.
الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولي أكد أن إسرائيل تجاهلت تماماً آليات التعاون الدولي مثل التسليم والمحاكمة، ولجأت إلى القوة العسكرية المباشرة، وهو ما يعزز احتمالية مساءلتها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
تداعيات إقليمية: مفاوضات غزة في مهب الريح
استهداف قيادات حماس داخل الدوحة جاء بينما كانت الحركة تناقش مقترحاً أميركياً لوقف إطلاق النار. وبحسب مصادر عربية، فإن العملية قوضت فرص التوصل إلى هدنة، وأدخلت المفاوضات في نفق مظلم.
يرى محللون أن الضربة الإسرائيلية وجهت رسالة مزدوجة:
- لواشنطن: أن تل أبيب قادرة على التحرك بمفردها، حتى دون غطاء أميركي كامل.
- لحماس: أن قياداتها غير آمنة حتى في الدول البعيدة عن غزة.
لكن في المقابل، هذا السلوك قد ينعكس سلباً على إسرائيل، إذ أن استهداف قادة حماس في قطر يفتح الباب أمام تصعيد أوسع، خاصة إذا قررت الحركة أو حلفاؤها الرد خارج حدود غزة.
الموقف الأميركي والأوروبي: إدانة حذرة
مصدر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي صرح لـرويترز أن “الاتحاد ينظر بخطورة إلى الاستهداف الإسرائيلي في قطر”، لكنه أشار إلى أن الدول الأوروبية منقسمة بين داعم لإسرائيل بحجة مكافحة الإرهاب، وآخر يخشى من انهيار الاستقرار الإقليمي.
أما الولايات المتحدة، فقد أُبلغت بالعملية مسبقاً وفق مصادر إسرائيلية، لكنها لم تعلن موقفاً واضحاً، مكتفية بالتأكيد على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهو ما اعتبرته قطر موقفاً مخيباً.
ماذا بعد؟ سيناريوهات مفتوحة
المشهد بعد الضربة يتجه نحو تعقيد أكبر:
- تصعيد سياسي: قطر قد تلجأ لمجلس الأمن، مع مطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل.
- تصعيد عسكري: حماس قد تنفذ عمليات انتقامية خارج غزة.
- تأثير على المفاوضات: انهيار أي محادثات حول وقف الحرب وصفقة الأسرى.
ويرى الخبير البريطاني تيموثي آش أن “العملية قد تحقق مكاسب تكتيكية لنتنياهو، لكنها استراتيجياً تضع إسرائيل في مواجهة عزلة متزايدة على الساحة الدولية”.
خلاصة تحليلية
الضربة الإسرائيلية في قلب الدوحة ليست مجرد عملية عسكرية، بل تحول استراتيجي خطير يخلط الأوراق في المنطقة. فهي تمثل رسالة عن جرأة تل أبيب واستعدادها لتجاوز الخطوط الحمراء، لكنها في الوقت نفسه قد تفتح أبواباً لأزمة إقليمية ودولية واسعة، حيث تقف قطر مدعومة بالقانون الدولي، وتواجه إسرائيل اتهامات بانتهاك السيادة والشرعية الدولية.
ويبقى السؤال الكبير: هل كان نتنياهو يبحث عن نصر سياسي قصير الأمد، أم أنه أطلق شرارة مواجهة أوسع ستطال المنطقة بأسرها؟
لندن – اليوم ميديا