الحروب الخاسرة تدفع إسرائيل نحو عزلة عالمية

تواجه إسرائيل منذ ما يقرب من عامين سلسلة من الحروب والصراعات التي يصفها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بـ«الحرب متعددة الجبهات». هذه المواجهات، الممتدة من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن والضفة الغربية إلى إيران، تكشف تحولات جوهرية في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، كما تثير تساؤلات حول أهدافها الاستراتيجية ومدى نجاحها في فرض واقع جديد في الشرق الأوسط.

دوافع الحرب متعددة الجبهات

في تصريحات عدة، أكد نتنياهو أنه يعتبر نفسه في «مهمة تاريخية وروحية» مرتبطة برؤية «إسرائيل الكبرى» وأرض الميعاد. ويشير هذا الخطاب إلى أن السياسات الإسرائيلية الحالية تتأثر بدوافع دينية وسياسية، حيث يسعى اليمين الصهيوني الراديكالي لدفع المنطقة إلى حافة مواجهة كبرى بزعم تسريع «نزول المسيح»، وفق معتقداتهم.

توسع رقعة الصراع بعد عملية “طوفان الأقصى”

في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» بتاريخ 7 أكتوبر 2023، أعلن نتنياهو أن رد تل أبيب سيغيّر الشرق الأوسط. منذ ذلك الحين، تحولت الحرب من مواجهة مع غزة إلى ساحة أوسع شملت لبنان وسوريا والعراق واليمن وحتى إيران، تحت مبرر مواجهة «محور تقوده إيران يسعى لتدمير الدولة اليهودية».

استراتيجيات إسرائيل: القوة العسكرية وفرض الامتثال

اتبعت إسرائيل مسارين رئيسيين في صراعاتها:

  1. التصعيد العسكري المباشر من خلال الضربات والهجمات على جبهات متعددة.
  2. فرض الامتثال بالقوة على دول المنطقة، حتى على الحلفاء المقربين من الولايات المتحدة مثل قطر، التي تعرضت لضربة إسرائيلية رغم مكانتها كحليف رئيسي خارج الناتو واحتضانها قاعدة العديد الجوية.

فشل في تحقيق إنجازات استراتيجية

على الرغم من تحقيق إسرائيل مكاسب تكتيكية، لم تتمكن من تحويلها إلى إنجازات استراتيجية راسخة:

  • في غزة، فشلت في القضاء على حماس.
  • في لبنان، لم تتمكن من تفكيك حزب الله.
  • في إيران واليمن، بقي الدعم لحركات المقاومة قائماً.
    هذا يعكس محدودية قدرة تل أبيب على إعادة تشكيل ميزان القوى في غرب آسيا بشكل دائم.

الثمن السياسي والإنساني

حذّر قادة إسرائيليون، مثل عامي أيالون، من أن استمرار النهج الحالي قد يؤدي إلى:

  • تآكل معاهدات السلام مع مصر والأردن.
  • تفاقم الانقسامات الداخلية.
  • تصاعد العزلة الدولية وتنامي التطرف الديني والقومي في المنطقة.

كما أن العدوان الإسرائيلي على غزة حمّل تل أبيب مسؤولية الكارثة الإنسانية، ما أضر بسمعتها عالمياً وأفقدها التأييد في الرأي العام الغربي.

اعتراف دولي متزايد بدولة فلسطين

شهد عام 2024 تحولات لافتة في الموقف الدولي، حيث ارتفع عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين إلى 147 دولة، بما فيها إعلان فرنسا والمملكة المتحدة وكندا نيتها الاعتراف رسمياً، وهو ما يفاقم عزلة إسرائيل على الساحة العالمية.

تحولات العقيدة القتالية الإسرائيلية

يمثل هجوم 7 أكتوبر نقطة فاصلة في العقيدة العسكرية لتل أبيب. فقد تخلت إسرائيل عن الحروب الخاطفة التي صاغها بن غوريون، ورفعت عتبة الخسائر المادية والبشرية، ما يفرض على دول المنطقة إعادة تقييم استراتيجياتها لمواكبة هذه التغيرات.

تواجه إسرائيل تحدياً وجودياً يتمثل في قدرتها على تحويل مكاسبها المؤقتة إلى واقع استراتيجي دائم. في المقابل، تراهن قوى المقاومة وحلفاؤها على إحباط هذه المحاولات، بينما يستمر المجتمع الدولي في مساءلة تل أبيب عن أفعالها وتداعيات سياساتها على استقرار الشرق الأوسط.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى